يذهب الآن في رحلات سير في جالاجر. عادة يكون هو الشخص الوحيد الذي يسير. المرور مزدحم، ولم يعد متنوعا بين سائر وراكب مثلما كان. أفسح التصنيع المجال للصناعات الخدمية. تبدو الأشياء بالنسبة لسام غير منظمة قليلا. لكن ربما يرجع ذلك إلى أنه يعيش الآن في فيكتوريا؛ في أوك باي، حي راق وجميل مليء بالأشخاص المتقاعدين الموسرين مثله.
كان نزل كرناجان آخر نزل - آخر بناية - على طرف البلدة. لا يزال موجودا في مكانه، لا يزال قريبا من رصيف المشاة. لكن حدث بعض التوسع في البلدة عند كل أطرافها؛ محطة تزود بالوقود، أحد متاجر كنديان تاير ذو باحة انتظار كبيرة، بعض المنازل الجديدة، المنخفضة. كان نزل كرناجان مطليا بلون أزرق فاتح، وبخلاف ذلك كان يبدو مهملا. بدلا من الشرفة الأمامية، حيث كانت توجد مقاعد لكل نزلاء النزل، يرى سام أن الشرفة قد تمت تغطيتها بالكامل بالزجاج، وبطانة عازلة، ومرتبة موضوعة على أحد جانبيها، وحواجز سلكية، ونوافذ قديمة ثقيلة مضادة للعواصف. كان لون المنزل حنطيا فاتحا، وكانت الزخارف الخارجية مطلية باللون البني. لم يكن كل شيء نظيفا فيه. كان الغبار يمثل مشكلة، كان الطريق قريبا جدا وغير مرصوف في ذلك الوقت. كان يمر به خيول وأشخاص سيرا على الأقدام، فضلا عن سيارات وشاحنات مزارع. قالت الآنسة كرناجان، على نحو استنكاري، مشيرة إلى الغبار: «يجب أن تتبعه في كل مكان.» في حقيقة الأمر، كانت كالي هي من تتبعه. كانت كالي كرناجان في التاسعة عشرة من عمرها، عندما رآها سام وإدجار جرازير للمرة الأولى، على الرغم من أنها كانت تبدو في الثانية عشرة. كانت مدمنة عمل. قال عنها البعض إنها مثل العاملات بالسخرة، العاملة بالسخرة الصغيرة لدى الآنسة كرناجان، أو كانوا يطلقون عليها الخادمة الكادحة، الخادمة الكادحة كرناجان. كان الخطأ الذي كان يرتكبه الناس أنهم كانوا يظنون أنها كانت تبالي بذلك.
في بعض الأحيان، كانت امرأة آتية من الريف، حاملة زبدها وبيضها، تأخذ قسطا من الراحة على العتبات الأمامية للنزل. أو ربما تجلس فتاة هناك حتى تخلع حذاءها طويل العنق المطاطي وترتدي حذاءها الخفيف؛ مخبئة حذاءها طويل العنق في فتحة التصريف حتى ترتديه مرة أخرى في طريق عودتها إلى المنزل. كانت الآنسة كرناجان تنادي، من الظلام خلف نافذة غرفة الطعام: «هذا ليس مقعدا في متنزه!» كانت الآنسة كرناجان امرأة ضخمة، مربعة الكتفين، دميمة، مستوية البطن والعجز، ذات شعر مخضب بالحناء، ووجه غير واضح الملامح، تغمره بودرة التجميل، وفم متدل بشدة ومغطى بكثافة بأحمر الشفاه. كانت تروى حولها العديد من قصص العربدة، التي كانت أكثر غموضا، وأصعب في التدليل عليها من قصص جشعها وبخلها المدهشة. قال البعض إن كالي، المفترض أنها لقيطة، ابنة الآنسة كرناجان. كان على المقيمين في النزل الالتزام بالخط المرسوم لهم. ممنوع تناول المشروبات الكحولية، ممنوع التدخين، ممنوع السباب أو التصرف ببذاءة، هكذا أخبرت أبناء جرازير في اليوم الأول لهم عندها. ممنوع تناول الطعام في غرف النوم، مثلما أخبرتهم لاحقا، بعد عيد الشكر، عندما أحضرا صندوقا كبيرا مشحما من الكعك المسكر من المنزل. قالت: «تجذب تلك الأشياء الفئران.»
كانت الآنسة كرناجان تقول كثيرا إنها لم تسكن عندها صبية من قبل. كانت تبدو كما لو كانت تسدي لهم معروفا. كان يقطن لديها أربعة أشخاص: أرملة، السيدة كروز، وهي امرأة عجوز جدا لكنها كانت تستطيع الاعتناء بنفسها؛ وموظفة، الآنسة فيرن، التي كانت كاتبة حسابات في مصنع القفازات؛ ورجل أعزب، آدم ديلاهانت، الذي كان يعمل في البنك ويدرس في مدرسة الأحد؛ وامرأة شابة أنيقة، متكبرة، أليس بيل، التي كانت مخطوبة إلى رجل شرطة وكانت عاملة هاتف. كان هؤلاء الأربعة يشغلون غرف النوم العلوية. كانت الآنسة كرناجان تنام على الأريكة في غرفة الطعام، وكانت كالي تنام على الأريكة في المطبخ. كان سام وإدجار يقيمان في السقيفة، حيث نصب سريران صغيران ذوا إطار معدني على جانبي خزانة ذات أدراج وبساط منسوج.
بعد أن ألقيا نظرة على المكان، دفع سام إدجار للنزول للسؤال عما إذا كان يوجد أي مكان يستطيعان تعليق الملابس فيه. قالت الآنسة كرناجان : «لا أعتقد أن صبيين مثلكما يمتلكان الكثير من الملابس ... لم أسكن لدي صبية من قبل. لماذا لا تفعلان مثل السيد ديلاهانت؟ يضع بنطاله تحت المرتبة كل ليلة، كي يحافظ على الثنيات الموجودة فيه.»
ظن إدجار أن ذلك هو نهاية الأمر، لكن أتت كالي بعد فترة قصيرة حاملة عصا مقشة وبعض السلك. وقفت على الخزانة وصنعت شماعة ملابس وذلك بعمل حلقات من السلك حول عمود.
قال سام: «كنا نستطيع أن نفعل ذلك بسهولة.» نظرا في فضول وبعض اللذة إلى سروالها التحتي الرمادي المتدلي. لم يصدر عنها أي رد فعل. جلبت أيضا بعض شماعات الملابس. كانا يعرفان بطريقة ما أن كل ذلك كان من صنيعها هي.
قال إدجار، الذي كان صبيا نحيفا ذا شعر أشقر مجعد، مبتسما ابتسامة عذبة، خجلة لم تجد في الطابق السفلي: «شكرا يا كالي.»
تحدثت كالي بالصوت الخشن الذي كانت تستخدمه في متجر البقالة عندما كانت تطلب شراء بطاطس جيدة. «هل سيناسبكما هذا الترتيب؟» •••
كان سام وإدجار ابني عم؛ ليسا شقيقين، مثلما كان معظم الناس يظنون. كانا في نفس العمر - سبعة عشر عاما - وكانا قد أرسلا إلى جالاجر للالتحاق بكلية التجارة. كانا قد نشآ في مكان يبعد عشرة أميال من هنا، وكانا قد ذهبا إلى نفس المدرسة الريفية والمدرسة التكميلية الموجودة في القرية. بعد عام في كلية التجارة، يمكنهما الحصول على وظيفة في بنوك أو شركات أو التدرب عند محاسبين. كانا ينويان عدم الرجوع إلى المزرعة التي ولدا فيها.
Página desconocida