كانت هيلينا، وهي بلدة قديمة تقوم على التنقيب عن الفضة، تبدو لنا مهجورة حتى في ضوء شمس الصباح. ثم مررنا ببوزمان وبيلينجز، اللتين لم تبدوا لنا مهجورتين على الإطلاق؛ فقد كانتا من البلدات المفعمة بالحياة، العامرة، التي تمتد فيها الزينات المغشية للأبصار لأميال فوق باحات السيارات المستعملة. بلغ التعب منا مبلغه وشعرنا بحر شديد حتى لم نعد حتى نستطيع أن نلعب لعبة «من أنا؟» ذكرتني هذه المدن المزدحمة الكئيبة بأماكن مشابهة لها في أونتاريو، وكنت أفكر فيما ينتظرنا حقا هناك؛ الأثاث كبير الحجم في غرفة طعام روجر وكارولين، وحفلات العشاء التي يجب أن أكوي ملابس الأطفال من أجلها وأحذرهم من الشوك، ثم الطاولة الأخرى التي على بعد مئات الأميال، ونكات العاملين مع أبي. كان يجب انتزاع المتع التي كنت أفكر فيها - الاستمتاع بالمناظر في الريف أو تناول أحد المشروبات الغازية في متجر قديم الطراز ذي مراوح، وسقف عال من صفيح مضغوط - بين المكانين.
قالت سينثيا: «ميج نائمة ... درجة حرارتها مرتفعة جدا. تجعلني أشعر بحرارة بالغة في المقعد الذي نجلس عليه معا.»
قلت، دون أن أستدير: «آمل ألا تكون لديها حمى.»
لماذا نفعل ذلك؟ هكذا حدثت نفسي، وجاءت الإجابة: بهدف التباهي. حتى نمنح أبي ووالدة أندرو متعة رؤية أحفادهما. كان ذلك واجبنا. لكن بخلاف ذلك، كنا نريد أن نريهما أننا، أنا وأندرو، أبناء صعاب المراس، وأننا نبحث في جد عن الثناء. كان الأمر كما لو كنا قد تلقينا عند نقطة ما رسالة لا تنسى، ولا تفهم؛ أن أداءنا ليس مرضيا على الإطلاق، وأننا بعيدان كل البعد عن تحقيق حتى أبسط نجاح. كان روجر هو من يرسل مثل هذه الرسائل، بالطبع - كان هذا أسلوبه - لكن والدة أندرو، وأمي، وأبي لم يكونوا يقصدون ذلك. كان كل ما كانوا يقصدون أن يخبرونا إياه هو: «احترسا. استمرا بثبات فيما أنتما ماضيان فيه.» كان أبي يغيظني، عندما كنت في المدرسة الثانوية، ويقول لي إنني كنت أعتقد أنني في غاية الذكاء لدرجة أنني لن أواعد أحدا. كان ينسى أشياء كهذه في غضون أسبوع. لم أنس ذلك قط. لم يكن أندرو وأنا ننسى الأشياء. كنا نستاء استياء شديدا.
قالت سينثيا: «أتمنى أن نجد شاطئا هنا.»
قال أندرو: «يوجد واحد على الأرجح ... بعد المنعطف التالي مباشرة.»
قالت، وصوتها ينبئ عن الشعور بالإهانة: «لا توجد أي منعطفات.» «هذا ما أعنيه.» «كنت أتمنى لو أنه يوجد مزيد من عصير الليمون.»
قلت: «سألوح بعصاي السحرية وأنتج البعض منه.» «هل توافقين على ذلك يا سينثيا؟ أم تفضلين تناول عصير كرم؟ وهل أصنع لك شاطئا؟»
صمتت، وسرعان ما شعرت بالندم. قلت: «ربما في البلدة التالية يوجد مسبح.» نظرت في الخريطة. «في مايلز سيتي. على أي حال، سيكون ثمة شيء بارد نشربه.»
سأل أندرو: «كم تبعد؟»
Página desconocida