سأله إبراهيم خضر إبراهيم: لقد قلت فيما قبل إنك السيد عيسى المسيح نفسه، بلحمه ودمه، ولست مجرد داع بدعوته، ولا أحد مريديه أو متقمص له، إذن هل تدعي أيضا أنك ابن الله؟
ابتسم الرجل ابتسامة مريحة، شرب قليلا من النشأة المسماة في دارفور بأم جنقر، تصنع عادة من الدخان، قال له: أنت الآن تراني أشرب أم جنقر، هل يحتاج ابن الله لطعام وشراب؟ هل يجوع ويذهب للمرحاض؟ هل يشرب الماء من النبع مثله مثل الخراف؟ أنا ابن الإنسان، وأنت تقول إن أباك هو رب البيت، فأبوية الله هل مثل ربوبية أبيك؟ مسألة جمال لا غير، وأضاف وهو يمسح قليلا من العرق من جبينه: عموما فكلنا أبناء الله، هذه الشجرة ابنته، وتلك الريح، هذه البنت بنته، ذرة الرمل، هذه العشبة، ذلك الطائر، أنتم، هذه الجيوش، النجارون وشبه النجارين ، المؤمنون بي والكافرون، جيمعنا أبناء الله وهو ربنا.
سأله إبراهيم خضر إبراهيم: هل أحييت الموتى، وأقمت من ريشة طائرا؟
كان الحوار يدور بعربي دارفورية، يعرفه الناس هنا، ويجيدونه. أجاب الرجل بهدوء بالغ: كل ما أفعله هو أنني أحاول ألا أخلق شيئا، إنني أشكل الأشياء، من ذرة الرمل صخرة، ومن الصوفة خروفا، وكل ما أفعله أنني أقول له صر فيصير، أي واحد منكم بإمكانه فعل ذلك ... لا أعرف كيف يحدث، ولو أنني أستطيع أن أعلمكم؛ أي أن أتبصر وإياكم الطريق، جميعكم تستطيعون، بإمكانكم أن تجعلوه يحدث إذا كنتم ترغبون في ذلك، فالرب هو الذي خلق ويخلق، أنا لم آت بمخلوق من العدم، لم أخلق الريشة، لم أصنع جثة الموتى، لقد كانوا هناك في القبر الجماعي منذ أن قتلهم الجنجويد ودفنهم جنود من الجيش السوداني، ببساطة، إنني أعرف الكلمة المناسبة، وأستطيع أن أقولها وأسمعها للناس والأشياء حية كانت أم ميتة، والكلمة تفعل كل شيء. ويبدو أن الرجل قال كلمة: وقف نجار عجوز، كان جالسا ليس ببعيد عن الرجل، هتف قائلا: أنا آمنت بك.
ابتسم الرجل، وقف نجاران آخران، قالا إنهما آمنا به، ابتسم الرجل، قال جندي شاب إنه آمن به، ابتسم الرجل، قال جنجويد قد أتى مع الجيش إنه آمن به. قال الرجل، ولم تفارقه الابتسامة الودودة بعد: أقول لك كما قلت لتجار الهيكل من قبل: أهون لجمل أن يدخل من ثقب إبرة من أن يدخل جنجويد ملكوت الله.
هتف القائد الميداني مخاطبا بقية النجارين بأن يصنعوا صلبانا أخرى بعدد الذين آمنوا الآن والتحقوا بالرجل، وكلما آمن شخص آخر، طلب القائد من النجارين أن يصنعوا صليبا خشبيا ثقيلا آخر، وهكذا إلى أن آمن به تقريبا جميع من استمع إليه. أما من تبقى من نجارين فقد صنعوا صلبانا أنيقة لأنفسهم، وجاءوا يحملونها في ظهورهم وهم يعلنون إيمانهم بالرجل. وعندما اتصل القائد العام من الخرطوم بالقائد الميداني، رد له القائد الميداني قائلا: أحتاج صليبا من أجلي، صليبا كبيرا ثقيلا.
ملك الموت
إبراهيم خضر إبراهيم ، لم يكفر بالرجل، ولكنه لم يستطع أن يؤمن به، ولو أنه أصبح من تابعيه، من أجل المعرفة، لقد كان الرجل فصلا دراسيا نادرا ومهما، عليه أن يسجل فيه حضورا دائما أصيلا. النجارون وأشباه النجارين حالما انضووا تحت إمرة الرجل، وانشغلوا في مباركة كلامه والإيمان ببركاته الكثيرة، التي يتكرم بها إليهم كل لحظ آخر لا بد من فهمه لكي نفهم ردود فعل الحكومة المركزية، أو له هو ماذا تعني لها الحرب الآن في دارفور، وهذا مهم جدا؛ لأن السلطة المركزية تعتبر أن الحرب قد آتت أكلها ونضجت ثمارها وتم قطف هذه الثمار طازجة، باعتبار أن أهم هذه الأهداف استراتيجية، وهي ترحيل مجموعة من القبائل من أوطانها، وأن تحل محلها مجموعات أخرى تم استيرادها من الدول المجاورة، وذلك حدث بنسبة 90٪، والشيء الأهم هو أن لا يعرف أحد - لم يحدث ذلك - ومن الأهداف الثانوية التي تحققت للسلطة المركزية هي أن تبدو الحرب في دارفور كما لو أنها حرب بين مجموعتين وهميتين، وهما ما يسمى بالعرب والزرقة، وهاتان المجموعتان لا وجود لهما في الواقع، ولا توجد أية حرب بينهما، وكانت ستتبنى فكرة مسيح دارفور إذا كان قد أعلن أنه سيحارب العرب في دارفور أو الزرقة، أو لو أنه ضدهما الاثنين معا، أو أصبح له رأي واضح في مسألة الهوية مثل مدعي النبوة العيسوية الكثيرين الذين ظهروا في نيالا منذ عام 1921، بغرض مقاومة الاستعمار الإنجليزي.
ولكن أن يدعي النبوة شخص أبوه ممن تسميهم الدولة الزرقة، وأمه ممن تدعوهم بالعرب، ويتبعه الاثنان، ويكره الجنجويد، ويجعل العسكر والنجارين وأشباه النجارين يؤمنون به، وبكلمة واحدة يجعل واديا بأكمله يخلو من الإبل والأبالة، يعني أن هذا الرجل سيقوم بإتلاف صومعة ثمارها الطازجة، سيبذر في أحشائها ديدانا تأتي عليها في ثوان. أرسلت الحكومة جيشا عرمرما، اختارته كله من الجنجويد، ووكلت قيادته لشخص غريب عنيف وفي اسمه «أبو دجانة»: إذا هزمتم قتلتم وعادت الأرض لأصحابها، وسوف يعود من ينجو إلى بلده؟
هؤلاء الجنجويد الذين قال فيهم كلمته الشهيرة بأنهم لا يدخلون ملكوت الله، وأهون لإبلهم أن تدخل من ثقب إبرة خياطة من أن يلجوا هم الملكوت، يعرف الرجل خطورة الموقف، ويعرف أكثر كيف تكون ردود أفعال السلطة الزمانية؛ لذا كان يقول لأتباعه، وهم كل من استمع إليه يتحدث، بمن فيهم إبراهيم خضر: أنا أضمن لكم الحياة إلى الأبد، ولكني لا أجنبكم الموت الآن.
Página desconocida