Mashriq Shamsayn
مشرق الشمسين
Géneros
إلى الكعبين والكلام فيما يتعلق بتفسير هذه الآية الكريمة يستدعي إطلاق عنان القلم بإيراد اثني عشر درسا درس إقباله جل شأنه بالخطاب بهذا الأمر يتضمن تنشيط المخاطبين والاعتناء بشأن المأمور به وجبر كلفة التكليف بلذة المخاطبة ثم إن قلنا باختصاص كلمة يا بنداء البعيد كما هو الأشهر فالنداء بها للبعد البعيد بين مقامي عز الربوبية وذل العبودية أو لتنزيل المخاطبين ولو تغليبا منزلة البعد إلا انهماك في لوازم البشرية وإن كان سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد أو لما تضمنه هذا النداء من تفخيم المخاطب به والإشارة إلى رفعة شأنه بالإيماء إلى أننا بمراحل عن توفية حقه وحق ما شرع لأجله ولفظة أي لما كانت وصلة إلى نداء أمثال هذه المعارف أعطيت حكم المنادى ووصفت بالمقصود بالنداء وتوسيط هاء التنبيه بينهما تعويض عما يستحقه من المضاف إليه وتأكيد للخطاب وقد كثر النداء بيا أيها الذين آمنوا في القرآن المجيد لما فيه من وجوه التأكيد بالإيماء إلى التفخيم وتكرار الذكر والإبهام ثم الإيضاح ثانيا والإتيان بحرف التنبيه وتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلة الباعث على الترغيب في الامتثال وتخصيص الخطاب في هذه المقامات بالمؤمنين لأنهم هم المتهيئون للامتثال وإلا فالكفار عندنا مخاطبون بفروع العبادات على أن المصر على عدم الايتمار بالشئ لا يحسن أمره بما هو من شروطه ومقدماته والقيام إلى الصلاة يمكن أن يراد به إرادتها والتوجه إليها إطلاقا للملزوم على لازمه أو المسبب على سببه إذ فعل المختار يلزمه الإرادة ويتسبب عنها فهو من قبيل قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وقيل المراد بالقيام إليها قصدها والعلاقة ما مر من اللزوم أو السببية وقيل معنى القيام إلى الشئ قصده وصرف الهمة إلى الإتيان به فلا تجوز و قيل المراد القيام المنتهي إلى الصلاة والقولان الأخيران وإن سلما عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة و ثانيهما لا يعم جميع الحالات فالمعتمد الأول وكيف كان فالمعنى إذا قمتم محدثين وأما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا على كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء ثم نسخ بالسنة حيث صلى النبي صلى الله عليه وآله الخمس بوضوء واحد يوم فتح مكة فلم يثبت عندنا مع أنه خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في سورة المائدة والفاء في فاغسلوا وإن كانت جزائية لكن يستفاد منها تعقيب جزائها لشرطها فلذلك استدل بالآية على وجوب الترتيب في الوضوء بغسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم الرجلين لإفادة الفاء تعقيب غسل الوجه للقيام فيتقدم على غسل اليدين من دون مؤنة استفادة الترتيب من الواو وإذا ثبت الترتيب بينهما ثبت في الباقي لعدم القائل بالفصل وفيه نظر إذ بعد تسليم إفادتها التعقيب إنما تفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بالغسل الوارد على الوجه واليدين فكأنه سبحانه يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء الثلاثة وهذا التعقيب لا يستفاد منه تقديم شئ منها على شئ وإنما يستفاد ذلك لو جعل الواو للترتيب ومعه لا حاجة إلى مؤنة استفادة التعقيب من الفاء والوجه مأخوذ من المواجهة فالآية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه فلا يجب تخليل الشعر الكثيف أعني الذي لا ترى البشرة خلاله في مجالس التخاطب إذ المواجهة به لا بما تحته فيكفي إجراء الماء على ظاهره كما نطق به قول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة كلما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء ولما كانت اليد تطلق على
Página 280