الوضوء المتقدم إنما هو لصحة الغسل لم يقل بأن كل وضوء مندوب يستباح به الصلاة وأمكن القول بوجوب وضوء آخر بعد الوقت للصلاة وكذا على القول باستحباب الوضوء قبل الغسل لأجل الغسل لكن الظاهر أنه لم يقل أحد به لكنه مظنة الاحتياط كما سيذكر وبما رواه في هذا الباب أيضا عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان أو غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في كل غسل وضوء إلا الجنابة والجواب ما مر أيضا فإن قلت إذا حملت الروايتين عل الاستحباب فكيف يجمع بينهما وبين ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته قلت كيف أصنع إذا أجنبت قال أغسل كفك وفرجك وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن محمد بن ميسر قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل هذا مما قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج إذا على ما ذكرت يدل الروايتان السابقتان على نفي استحباب الوضوء مع غسل الجنابة وهاتان الروايتان يدلان لا أقل على الاستحباب قلت أما الرواية الأخيرة فلا ظهور لها في أن المراد من التوضأ المعنى المتعارف انسياق الكلام مشعر بخلافه كما لا يخفى وأما الرواية الأولى فيمكن حملها على التقية إذ الظاهر أنهم كانوا قائلين بالوضوء مع غسل الجنابة كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة ويؤيده اشتهار القول بعدم الاستحباب بين الأصحاب وإنما ذكره الشيخ (ره) فقط في التهذيب أو نقول بأنه يجوز أن يكون للاستحباب مراتب بعضها آكد من بعض ففي الروايتين المتقدمتين نفى عنه الاستحباب المؤكد الذي في باب الأغسال وفي هذه أثبت أصل الاستحباب ويؤيده ما ذكر في الكافي في الباب المذكور وروى أنه ليس في شئ من الغسل وضوء إلا غسل يوم الجمعة فإن قبله وضوء وعلى هذا يكون الاستحباب في غسل الجمعة آكد وبعده باقي الأغسال سوى غسل الجنابة وبعده غسل الجنابة فارتفع المنافاة وقس عليه حال الرواية الأخيرة أيضا على تقدير تسليم ظهورها في الوضوء المتعارف فإن قلت كيف يجمع بين استحباب الوضوء قبل الغسل وبين ما رواه في التهذيب في الباب المذكور من رواية محمد بن أحمد بن يحيى مرسلا بأن الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة قلت أما أولا فلا عبرة به كما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب من أنه مرسل لم يسنده إلى إمام وأما ثانيا فيحمل قوله قبل الغسل على أنه خبر الوضوء وبعده بدعة كلام مستأنف فتطابق الروايات هذا إذا كانت الرواية المنقولة بهذه العبارة ولم يكن ما ذكره الشيخ (ره) نقلا بالمعنى وبما رواه (ره) أيضا في هذا الباب عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل وفيه مع القدح في السند الحمل على الاستحباب مع أنه مخصوص بغسل الجمعة فلا يثبت المدعى بتمامه إلا أن يتمسك بعدم القول بالفرق وبأنه قبل الغسل ممنوع من الدخول في الصلاة وكذا بعده عملا بالاستصحاب وفيه إن ممنوعيته من الدخول في الصلاة قبل الغسل أما بالاجماع أو بالآية والروايات باعتبار عمومها فيرجع فإن كان الاجماع فلا نسلم أنه إذا انعقد الاجماع على حكم في وقت مخصوص أو حال خاص يجب أن يستصحب ذلك الحكم في وقت آخر وحال آخر ليس فيه الاجماع وهو ظاهر وإثباته دون خرط القتاد وإن كان بالآية والروايات باعتبار عمومها فيرجع إلى الدليل السابق ويستدرك أخذ الاستصحاب وقد عرفت الجواب وبما تقدم ظهر أنه كما لا حاجة في هذه الأغسال إلى الوضوء للصلاة كذا لا حاجة إلى الوضوء لتحقق الأغسال لان الأوامر بها مطلقة والاخبار التي تدل على الوضوء فيها أو قبلها قد عرفت جواز حملها على الاستحباب هذا ما يمكن أن يقال في هذا المقام وقد عرفت ما هو الأظهر من القولين لكن مقتضى الاحتياط أن لا يترك الوضوء مع هذه الأغسال للشهرة بين الأصحاب والاحتياط التام إن كان غير وقت الصلاة أن يتوضأ قبل هذه الأغسال بينما غسل الجمعة للروايتين فيه بخصوصه ثم يحدث بعدها ثم يتوضأ للصلاة فإن قلت ما حال ما ذكره بعض الأصحاب كالعلامة (ره) في القواعد حيث قال ولا يشترط في هذه الأغسال الطهارة من الحدثين قلت هذه المسألة إنما يستنبط بعض شقوقها من الكلمات السابقة لأن هذه الأغسال أما أن يكون منجزية عن الوضوء كما هو الأظهر وحينئذ فلا ريب في عدم اشتراطها بارتفاع الحدث الأصغر وهو ظاهر وأما غير مجزية عنه وعلى هذا أيضا الظاهر عدم الاشتراط لما مر من إطلاق الامر بها وما ورد من تقديم الامر الوضوء يحمل على الاستحباب هذا حال الحديث الأصغر وأما حال الحدث الأكبر الذي يمكن ارتفاعه حال الغسل كالجنابة مثلا أو الحيض بعد الانقطاع فسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان تداخل أسباب الغسل وأما الذي لا يمكن ارتفاعه حال الغسل كالحيض قبل الانقطاع فالظاهر أيضا بالنظر إلى إطلاق الأوامر بالغسل من غير تقييد وعدم العلم بأن الغرض رفع الحدث أو التنظيف المتوقف عليه صحة الغسل معه ويؤيده أيضا صحة غسل الاحرام حال الحيض و النفاس كما رواه في التهذيب في باب حكم الحيض عن محمد وفضيل وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وغير ذلك وظاهر كلام الشيخ (ره) في المبسوط أيضا يدل عليه حيث قال في أوايل كتاب الحيض ولا يصح منها الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث لكن روى الكافي في باب ما يجب على الحايض في أوقات الصلاة في الحسن عن محمد بن مسلم
Página 49