وجها لم يصل إليه فهمي والله أعلم وهذا الكلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه وبالجملة ما وقفنا واطلعنا عليه من الدلايل على هذين المطلبين هو هذا ولم نطلع على دليل آخر ظاهر الدلالة فالحكمان المذكوران في محل التوقف نعم غاية ما يمكن أن يستفاد من الاخبار إن التيمم مبيح لما يبيحه الطهارة بمعنى إن ما ورد في الشرع أنه لا يباح بدون الطهارة أو لا تفعله بدونها أو مشروط بها أو نحو ذلك من العبادات فالتيمم مبيح له لاطلاق الطهور عليه في الشرع لورود الروايات الكثيرة المتظافرة المستفيضة في هذا المعنى وظاهر قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم أما ما ورد في الشرع أنه لا يباح دونه الوضوء أو الغسل أو مشروط بهما أو نحو ذلك فإباحة التيمم له غير ثابت إلا إذا كان عليه دليل خاص من إجماع أو خبر أو نحوهما ولا بأس أن نذكر الروايات الواردة في هذا المعنى فمنها ما روي عنه (عليه السلام) جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال لا يعيد أن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين (ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في آخر حديث فإن التيمم أحد الطهورين) ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم وأحكامه عن محمد بن حمران وجميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في آخر حديث فإن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وهذه الرواية في الكافي أيضا عنهما في باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر وفي الفقيه أيضا عنهما في باب التيمم وفي باب الجماعة وفضلها ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد ومنها ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب التيمم في آخر حديث ولا ينقضها لمكان الماء لأنه دخلها وهو على طهر تيمم ثم ها هنا دقيقة أخرى وهي أنه إذا كان شئ مشروطا بالطهارة لا خصوص الوضوء أو الغسل وكان التيمم مبيحا له كما ظهر من الروايات فهل يجب التيمم له إذا كان واجبا أو يستحب إذا كان مستحبا مع تعذر الوضوء أو الغسل بدون دليل آخر أم لا وفيه أيضا إشكال إذ بمجرد إباحة التيمم له لا يلزم وجوبه عند وجوبه لان التيمم عبادة والعبادة لا بد أن يكون متلقاة من الشارع ومأذونا فيها من قبله إجماعا كما هو الظاهر وهو لم يأذن في التيمم له كما هو المفروض نعم حكم بإباحته له وغاية ما يلزم منه أنه إذا تيمم المكلف لما إذن له ورخص كان ذلك الشئ أيضا مباحا له إلا أن يجعل طلب الشارع ذلك الشئ مع حكمه بأنه لا يباح بدون الطهارة واشتراطه إياه بها وإن التيمم طهور قرينة على الاذن في التيمم لذلك الشئ والحاصل إن في مثل هذه الصورة قد اجتمع ثلاثة أمور لا يمكن حملها جميعا على ظاهرها طلب الشئ المفروض واشتراطه بالطهارة والنهي عن الظاهر ما لم يأذن فلا بد من أحد ثلاثة أمور أما القول بعدم وجوب ذلك الشئ بتخصيص العام الذي يشمله إذا كان الطلب لأمر يعمه أو بتقييد وجوبه بشرط أو وقت أو نحو ذلك إذا لم يكن الطلب لأمر عام أو بتخصيص شرطية الطهارة له بشرط أو نحوه أو بتخصيص النهي عن الطهارة بدون الاذن ولا يبعد أن يرجح الأخير لأنه في الحقيقة ليس تخصيصا للنهي المذكور بل نقول أن الامرين الأولين قرينة على الاذن (والرخصة والاذن) لا يجب أن يكون صريحا فحينئذ يخرج التيمم المذكور عن عنوان الحكم أي الطهارة بدون الاذن لا أن يخصص من الحكم والمفرق بينهما ظاهر إذ التخصيص أن يكون لفظ دالا على أشياء ويخرج بعض الأشياء عن إرادته من اللفظ المذكور مع بقائه تحته بحسب الدلالة وها هنا قد خرج بحسب الدلالة فتدبر وإذا لم يلزم حينئذ تخصيص بخلاف الأولين لاستلزامهما التخصيص قطعا فتعين ارتكابه فإن قلت السيد الفاضل المذكور لعلة نظرا إلى هذه الدقيقة حيث حكم بإباحة التيمم لما يبيحه الطهارتان مع عدم وجوبه لما يجبان له قلت إذا كان كذلك لما كان الفرقة بين ما يتوقف على نفس الطهارة وبين ما يتوقف على خصوص فرد في وجوب التيمم لهما وجه ظاهرا إذ قد عرفت أن التيمم لا يلزم أن يكون واجبا لما يتوقف على نفس الطهارة أيضا بناء على الدقيقة المذكورة لا يقال كان تخيل أنه إذا قال الشارع هذا الامر مشروط بالطهارة وقال أيضا أن التيمم طهارة ثم أمر بالامر المذكور كان ذلك قرينة على الرخصة في التيمم قرينة ظاهرة أما إذا قال إن هذا الامر مشروط بالوضوء مثلا وإن التيمم طهور فلا ظهور حينئذ لكون الامر به قرينة في الاذن وإن ثبت أن التيمم مبيح لما يبيحه الوضوء أيضا فلم يتعين أذن ارتكاب الامر الأخير من الثلاثة المذكورة فلم يثبت وجوب التيمم لان ذلك التخيل وإن كان له وجه لكنه إذا كان مراده هذا فلا ينبغي أن يفرق بين وجوبه لصوم الجنب ودخول المساجد إذ ليس في دخول المساجد أيضا ما يدل على توقفه على طبيعة الطهارة كما في صوم الجنب بعينه بل في الآية والاخبار منع الجنب فقط كما سيأتي إنشاء الله تعالى في باب الجنابة وإذ قد تمهد هذه المقدمات فلنعد إلى بيان المسئلتين السابقتين من وجوب التيمم للمساجد ولمس خط المصحف أما وجوب التيمم للمساجد فالظاهر على ما ذكرنا من المقدمات العدم لأنه ليس في الآية والاخبار كما أشرنا إليه آنفا إن دخول المسجدين الحرمين واللبث فيما عداهما إنما يبيحه نفس الطهارة أو التيمم يصلح لبدلية الغسل فيه إذا الموجود فيهما منع الجنب وغير المغتسل فقط وأما إيراده عز وجل ببيان التيمم بعد قوله سبحانه ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فهو وإن صلح لان يكون قرينة لبدليته للغسل في إباحة القرب من المساجد وكونه متعلقا بهذا الحكم لكن يعارضه قوله تعالى أو جاء أحدكم من الغائط لأنه لا دخل له في هذا المعنى لإباحة القرب من المسجد بدون الوضوء فيشعر هذا بأنه استيناف حكم آخر لبدلية التيمم
Página 19