Celebridades de los notables musulmanes

Cali Ibn Nayif Shuhud d. 1450 AH
78

Celebridades de los notables musulmanes

مشاهير أعلام المسلمين

العبقري الكبير نجم الدين أربكان

من "هندسة" محركات الديزل.. إلى "هندسة" الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا : نجم الدين أربكان، اسم أصبح جزءا من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في تركيا لا يمكن تجاهله رغم كل محاولات الإقصاء، والتهميش، والمحاصرة.. فرض ومازال يفرض بصماته المضيئة على مسار الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. لماذا حاولت قوى كثيرة داخل تركيا وخارجها، وما زالت تحاول إبعاده عن الساحة السياسية التركية..؟ومن المستفيد من إقصائه عن الساحة السياسية التركية..؟ في هذه الدراسة التي تنشر علي حلقات في المجتمع نسلط الأضواء مدعومة بالوقائع والحقائق على شخصية الأستاذ الدكتور المهندس نجم الدين أربكان أحد أبرز رجالات الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.

في وسائل الإعلام التركية، وفي الأوساط والمحافل السياسية التركية، وعلى امتداد الشارع التركي المسيس يطلقون على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لقب "أبو السبعة أرواح"، وهو لقب يبدو أن أربكان يستحقه بجدارة من كثرة ما دخل وخرج من محاكم ومن سجون، ومن كثرة ما أسس أحزابا بلغ عددها في فترة زمنية قصيرة قياسا بعمر الدول خمسة أحزاب، فلا يكاد يؤسس حزبا حتى يحاصره حماة العلمانية في تركيا وخاصة جنرالات المؤسسة العسكرية، فيحظروه ويختموا أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزبا جديدا فيغلقه العلمانيون ويختمون أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزبا جديدا باسم جديد بنفس نكهة الحزب المحظور الوطنية الإسلامية.. وهكذا حزبا بعد حزب ومحاكمة بعد محاكمة، وسجنا بعد سجن..!

فمن هو نجم الدين أربكان الذي اشغل وسائل الإعلام العالمية ومن قبلها أشغل دولا وأنظمة وأجهزة مخابرات ومنظمات ترصد ما يجري في تركيا تحت مجاهر رقابتها على مدار الثانية والدقيقة...؟ ورث الزعامة كابرا عن كابر:

ينحدر البروفيسور نجم الدين أربكان من نسل الأمراء السلاجقة الذين عرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري "، وكان جده آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرة أربكان تلقب بناظر زاده أي ابن الوزير.

ولد عام 1926م في مدينة سينوب بأقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943 حيث التحق بجامعة الهندسة في استانبول وتخرج من كلية الهندسة الميكانيكية في عام 1948 ، وكان الأول على دفعته فتم تعيينه معيدا في نفس الكلية.

أوفد في بعثة إلى ألمانيا في عام 1951م، حيث نال في عام 1953م من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات.

وفي عام 1953م عاد إلى جامعة استانبول وحصل على درجة مساعد بروفيسور (دوشنت).

وأثناء وجوده في ألمانيا عمل إلى جانب دراسته رئيسا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات ( كلوفز هومبولدت دويتز )بمدينة كولن.

في عام 1956م عمل ثانية في مصانع محركات دويتز وتوصل إلى عدة اكتشافات لتطوير صناعة محركات للدبابات تعمل بكل أنواع الوقود.

في نهاية عام 1965م عاد إلى جامعة الهندسة في استانبول ليعمل أستاذا مساعدا، وفي نفس العام حصل على درجة الأستاذية فأصبح بروفيسورا في اختصاص المحركات.

وأثناء تدريسه في جامعة الهندسة في استانبول، وعلى ضوء الخبرة التي حصل عليها أثناء عمله في مصانع المحركات الألمانية، قام البروفيسور نجم الدين أربكان في عام 1956 بتأسيس شركة مصانع "المحرك الفضي" وساهم معه في الشركة 300 من زملائه، وتخصصت الشركة في تصنيع محركات الديزل وبدأت إنتاجها في عام 1960، ولا تزال الشركة الرائدة في هذه الصناعة في تركيا وتنتج سنويا حوالي 30 ألف محرك ديزل.

رئيسا لاتحاد الغرف الصناعية :

تولى البروفيسور أربكان رئاسة مجلس إدارة شركة مصانع المحرك الفضي (1956 - 1963م )، إلى جانب منصب مديرها العام، ثم تولى منصب الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والبورصة التركية في عام 1967م، وفي عام 1968م أصبح رئيسا للاتحاد، وعندما تولى أربكان هذا المنصب ثارت ثائرة الدوائر العلمانية والماسونية، وشنت الصحافة العلمانية والمتصهينة حملة شعواء ضده.

وكمثال على ما زخرت به تلك الصحف من هجوم على أربكان أنقل ما نشرته مجلة "آنت" العلمانية في عددها رقم 127 الصادر في 3/6/1969م حيث قالت بالحرف الواحد: "هناك صراع واضح في هذه الأيام في عالم التجارة الصناعة بين فئتين: فئة الرفاق الماسونيين الذين يعملون بحماية رئيس الوزراء سليمان ديميريل، وفئة الإخوان المسلمين الذين يعملون برئاسة نجم الدين أربكان ".

لكأن نجم الدين أربكان كان على موعد مع قدره الذي أراده الله له، فينتقل من حلبة الصناعة إلى حلبة السياسة ليؤسس، ويقود، ويهندس حركة انبعاث مد الصحوة الإسلامية الحديثة في تركيا.

وكانت بداية التحول في حياة أربكان من هندسة الصناعة إلى هندسة السياسة من مدينة قونيه التي كانت على امتداد تاريخ تركيا الإسلامي، وما تزال معقلا إسلاميا شامخا، وهي قونيه موطن العالم الرباني جلال الدين الرومي، فمن مدينة قونيه خاض نجم الدين أربكان أول تجربة سياسية في حياته حين خاض الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1969 كمرشح مستقل فأكرمته المدينة المتدينة إذ حملته أصوات ناخبيها وناخباتها بما يشبه الإجماع والاكتساح إلى مجلس النواب التركي ممثلا للمدينة الوفية لإسلامها.

تجربته الحزبية الأولى :

في عام 1970 أسس البروفيسور أربكان مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين حزب النظام الوطني، وتسميه بعض المراجع بحزب الخلاص الوطني، وفي المؤتمر الأول للحزب بمناسبة مرور عام على تأسيسه ( كانون ثاني 1971م) ألقى البروفيسور أربكان كلمة في المؤتمر أكد فيها البعد الإسلامي للحزب قائلا: "إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسونيون والشيوعيون بأعمالهم المتواصلة أن يخربوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، والتجارة بأيديهم، والاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان، فليس أمامنا إلا العمل معا يدا واحدة، وقلبا واحدا، حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، ونصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقا.."

عزل سياسي :

وفي شهر نيسان من عام 1971 أقامت الحكومة دعوى ضد الحزب، فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قرارا بحل حزب النظام الوطني ومصادرة أمواله وممتلكاته بعد أن جرمته بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وإقامة حكومة إسلامية في تركيا، والعمل ضد مبادئ أتاتورك، وحكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه للانتخابات ولو بشكل مستقل، وذلك طيلة خمس سنوات.

وبعد صدور حكم محكمة أمن الدولة العليا بحل حزب النظام الوطني وحرمان مؤسسه وأعضائه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات غادر البروفيسور أربكان تركيا.

في عام 1972م عاد البروفيسور أربكان إلى تركيا ليدفع ببعض الإسلاميين ممن لا ينطبق عليهم حكم محكمة أمن الدولة العليا لتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم حزب السلامة الوطني، وتأسس الحزب في 11/10/1972م، وأصدر في 12/1/1973م صحيفته الرسمية "مللي غزته".

في 14/10/1973م صدر عفو عام عن الجرائم السياسية، فخاض حزب السلامة الوطني بعد أن عاد أربكان إلى رئاسته الانتخابات وفاز ب 48 مقعدا، وعندما احتدم الخلاف بين الحزبين الرئيسين، حزب العدالة (149 نائبا) بزعامة سليمان ديميريل، وحزب الشعب الجمهوري (186 نائبا) بزعامة بولنت أجاويد، اضطر أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري للائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وحصل حزب السلامة على سبع وزارات هامة منها الداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والصناعة والتموين ووزارة دولة، وكان البروفيسور أربكان نائبا لرئيس الوزراء.

ومثلت مشاركة حزب السلامة الوطنية في حكومة ائتلافية أول اختراق إسلامي للسلطة التنفيذية في الجمهورية العلمانية منذ تأسيسها على يد أتاتورك، وشكلت هذه المشاركة لطمة موجعة للعلمانيين وحلفائهم الماسونيين، فطفقوا يخططون للانتقام وتوجيه لطمة مضادة للإسلاميين، واستطاعت مكائد العلمانيين والماسونيين أن تفشل الحكومة الائتلافية وتضطرها إلى الاستقالة بعد تسعة أشهرونصف من تشكيلها.

ولكن قدر الله كان بالمرصاد للعلمانيين والماسونيين، إذ لم يلبث حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان أن عاد إلى الحكومة عندما وجد حزب العدالة نفسه مضطرا للائتلاف مع حزب السلامة الوطني لتشكيل الحكومة.

بيد أن عودة حزب السلامة الوطني للمشاركة في الحكومة الجديدة، وبنفس عدد وزرائه ومقاعدهم في الحكومة السابقة، لم تثن العلمانيين والماسونيين عن الكيد للحزب ولزعيمه، وانتهز هؤلاء الانتخابات النيابية التي كان مقررا أن تجري في عام في عام 1977 فحشدوا كل إمكاناتهم، واستنفروا كل طاقاتهم العلنية والسرية من محافل ماسونية وصحافة متصهينة وعلمانية لشن حملة تشويه وافتراءات ضد مرشحي حزب السلامة العامة في تلك الانتخابات، ويبدو أن الحملة آتت أكلها فجاءت نتائج حزب السلامة الوطني في الانتخابات مخيبة لطموحات الإسلاميين، ومفرحة للعلمانيين والماسونيين حيث انحسر عدد أعضاء الحزب في مجلس النواب التركي إلى (24) نائبا فقط، ولكن ورغم هذه الانتكاسة التي أصابت حزب السلامة الوطني فقد فرضته المعادلة السياسية آنذاك شريكا في الائتلاف الحكومي الذي جمع حزب العدالة وحزب السلامة الوطني وحزب الحركة القومية (طوراني) في الحكومة التي تشكلت في 1/8/1977 .

أول إسلامي يشكل الحكومة في تاريخ تركيا العلمانية:

مثلما استنفر العلمانيون والماسونيون الأتراك كل طاقاتهم الداخلية، فقد استنفروا طاقاتهم الخارجية باعتبارهم وكلاء لقوى الاستعمار العالمية بقيادة أمريكا، ووكلاء للصهيونية العالمية وبذرتها الخبيثة (الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين)، طالبين النجدة في تصديهم للإسلاميين، وسرعان ما لبت وسائل الإعلام العالمية وخاصة الأمريكية نداء الاستغاثة وطفقت تشن حملة تشويه وتحريض ضد الإسلاميين في تركيا.

وكمثال على ما نشرته وسائل الإعلام العالمية في التحريض على الإسلاميين في تركيا، أكتفي في هذا التقرير بهذه النماذج:

- نقلت صحيفة القبس الكويتية في عددها الصادر في 20-4-1977م أي قبل أقل من شهرين من أجواء الانتخابات في 1-6-1977م عن صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ما يلي: "إن احتمال نجاح أربكان في الانتخابات القريبة في تركيا يحدث قشعريرة وارتباكا في الأوساط السياسية التركية وفي كواليس السفارات الغربية في تركيا، لأن أربكان يريد تحويل اتجاه تركيا عن الغرب والعودة بها من جديد إلى تراثها الإسلامي والشرقي".

ونقلت عن صحيفة "الايكونومست" البريطانية ما يلي: "إذا قدر لحزب السلامة الوطني أن يفوز في الانتخابات القريبة في تركيا فإن الشيء المثير للقلق في الغرب هو أنه لا تزال إلى الآن فئات كبيرة من الشعب التركي لم تستطع هضم الإصلاحات التي جاء بها أتاتورك".

ونقلت عن صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية ما يلي "إن تركيا تقف على مفترق طرق، وينظر المراقبون الغربيون بقلق بالغ وبتشاؤم إلى مستقبل تركيا، حيث تشير التطورات فيها إلى بروز نزعة قومية يقودها حزب السلامة الوطني وزعيمه أربكان لاسترجاع تركيا لأمجاد الإمبراطورية العثمانية واستعادة أمجاد الإسلام".

مكيدة جديدة... وتهمة جديدة:

لم تثن مشاركة حزب السلامة الوطني في الحكومة الائتلافية التي تشكلت في أعقاب الانتخابات التي جرت في 1-6-1977 العلمانيين والماسونيين عن تآمرهم على الحزب وعلى أربكان، ففي 5-12-1978م طالب المدعي العام التركي بفصل البروفيسور نجم الدين أربكان من رئاسة وعضوية حزب السلامة الوطني بتهمة استغلال الدين في السياسة؛ مما يشكل خروجا على القوانين العلمانية التي وضعها أتاتورك، ولكن هذه المكيدة لم تحقق هدف العلمانيين والماسونيين، وبقي حزب السلامة الوطني وزعيمه نجم الدين أربكان شوكة في حلوقهم.

وفي 6-9-1980م نظم حزب السلامة الوطني مظاهرة كبرى في مدينة قونية بمناسبة يوم القدس العالمي شارك فيها أكثر من نصف مليون تركي وفدوا من كل أنحاء تركيا، وهتف فيها المتظاهرون: "نريد الإسلام ولا نرضى بسواه" وحملوا في مقدمة المظاهرة مجسما ضخما لقبة الصخرة المشرفة، ولافتة عريضة تحمل شعار الإسلام الخالد: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وفي اليوم التالي 7-9-1980 كانت الإذاعة تذيع البيان رقم (1) معلنا انقلابا عسكريا بزعامة الجنرال كنعان إيفرين، وفي 11-9-1980م صرح قائد الانقلاب بأن الجيش تدخل ليوقف المد الإسلامي، وليوقف روح التعصب الإسلامي التي ظهرت في مظاهرة قونية.

وفي عددها الصادر في أعقاب وقوع الانقلاب نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية على غلافها صورة لقائد الانقلاب الجنرال كنعان إيفرن مع تعليق يقول: العسكر يوقفون المد الإسلامي.

وأسهبت في صفحاتها الداخلية في الحديث عن الانقلاب الذي جاء لينقذ العلمانية في تركيا من خطر الإسلاميين.

وقام الانقلابيون بحل الأحزاب، وفرضت الإقامة الجبرية على زعمائها، باستثناء أربكان الذي اقتيد إلى السجن، ثم رفعت الإقامة الجبرية عن زعماء الأحزاب، بينما مثل أربكان وإخوانه من قيادات حزب السلامة الوطني أمام محكمة عسكرية في 24-4-1981 ، وفي نفس اليوم صرح رئيس الوزراء الذي عينه الانقلابيون بولند أوسلو بأن حكومته ضد الإرهاب الشيوعي الأحمر، وضد الإرهاب الإسلامي الأسود، وأنه لا مكان في تركيا الحديثة للإخوان المسلمين الذين ينتهكون العلمانية (كما جاء حرفيا في التصريح).

وكانت لائحة الاتهام ضد البروفيسور أربكان وإخوانه زاخرة بالتهم، ومنها:

1 - العمل على تبديل قوانين الدولة العلمانية بمبادئ تقوم على أساس الإسلام.

2 - رفع الحزب لشعارات وهتافات منافية للعلمانية منها: محمد قائدنا، سنحطم الأصنام، سنقيم دولة الإسلام، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (81)(الإسراء).

3 - إلقاء أربكان خطبة في الحجاج الأتراك في عام 1977م قال فيها: يجب أن نبحث فيما إذا كان حكامنا يحكموننا بالقرآن أم لا..!

4 - إصرار الحزب وزعيمه على المطالبة بفتح مدارس تحفيظ القرآن، وإعادة الصلاة في مسجد أيا صوفيا (حوله أتاتورك إلى متحف).

5 - مطالبة الحزب بجعل يوم الجمعة عطلة رسمية بدلا من الأحد، وأن يتم اعتماد الزواج الشرعي بدل المدني.

6 - اتهام الحزب لأتاتورك بأنه كان ماسونيا .

وحكمت المحكمة في 24-2-1983م بحل حزب السلامة الوطني، وبالحكم على أربكان بالسجن لمدة (4) سنوات، وبأحكام أخرى على العديد من قيادات الحزب، وكانت التهمة التي أدينوا بها: معاداة العلمانية والسعي لإحلال الشريعة الإسلامية بدلا عنها.

ولم تتوقف مكائد العلمانيين والماسونيين ضد أربكان، بل لقد اشتط هؤلاء في مكائدهم عندما عاد البروفيسور نجم الدين أربكان وإخوانه ليؤسسوا حزبا جديدا أطلقوا عليه اسم "حزب الرفاه" بعد أن أمكنهم تعديل قانوني سمح لهم بالعودة لممارسة العمل السياسي من العودة إلى الساحة السياسية.

ففي 16 مايو-أيار 1994م تقدم مدعي عام محكمة أمن الدولة بمذكرة اتهام ضد حزب الرفاه وزعيمه أربكان يتهمه بإثارة حرب أهلية، ويطالب في المذكرة بحل حزب الرفاه، وبرفع الحصانة عن زعيمه أربكان الذي كان نائبا في البرلمان لمحاكمته، وكان الدليل الذي ساقه المدعي العام في اتهامه لأربكان مقطعا من مقابلة صحفية في 13-4-1994م قال فيها: "حزبنا سيصل حتما إلى السلطة، ولكن المسألة أن نعرف فيما إذا كان ذلك سيتم من دون إراقة دماء، والشعب هو الذي سيقرر..".

وعلى الرغم من كل المكائد والعراقيل فقد مضى أربكان في قيادة التيار الإسلامي من فوز إلى فوز، فقد تمكن حزب الرفاه رغم مرور سنوات قليلة على تأسيسه من الحصول على (185) مقعدا في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر كانون الأول- ديسمبر من عام 1996 ، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي وعلى الساحة السياسية التركية، حيث حصل حزب الطريق القويم على (135) مقعدا، وحصل حزب الوطن الأم على (133) مقعدا، وحصل اليسار الديمقراطي على (75) مقعدا وتوزعت المقاعد المتبقية وعددها (49) مقعدا على أحزاب أخرى وعلى المستقلين.

وبعد هذا الفوز الكاسح الذي حققه حزب "الرفاه" في الانتخابات، وبعد كل تلك السنوات العجاف الطوال من المعاناة التي كابدها الإسلاميون في تركيا، تسلم البروفيسور أربكان في 8-6-1996م تكليفا خطيا من رئيس الجمهورية التركية سليمان ديميريل لتشكيل حكومة جديدة يقودها الإسلاميون لأول مرة منذ الانقلاب الأتاتوركي، حيث شكل أربكان حكومة ائتلافية برئاسته بشراكة مع حزب الطريق القويم بزعامة السيدة تانسو شيلر.

وكان ذلك بمثابة صاعقة نزلت على رؤوس العلمانيين والماسونيين الأتراك في داخل تركيا، وعلى رؤوس القوى المناهضة لهوية تركيا الإسلامية من أمريكان وصهاينة في خارج تركيا، ولم يكن غريبا أن تعمد القوى المعادية لهوية تركيا الإسلامية في داخل تركيا وخارجها إلى مواجهة الإعصار السياسي الذي يتهدد كل مخططاتها لإبقاء تركيا بعيدة عن جذورها الإسلامية وإلى تصعيد تآمرها على حزب الرفاه وعلى زعيمه أربكان، فشنت الصحافة التركية العلمانية والماسونية حملة تشويه وتحريض لم تشهد لها تركيا مثيلا من قبل ضد الحزب وزعيمه، وساندتها وسائل الإعلام العالمية المتصهينة.

العلمانيون يغلقون حزب الرفاه.. والإسلاميون يشكلون الفضيلة :

لم تؤت هذه الحملات أكلها كما يشتهي العلمانيون والماسونيون الأتراك وكما تشتهي الصهيونية العالمية وحلفاؤهم، فتحرك جنرالات المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها حامية للعلمانية التي فرضها أتاتورك قسرا على تركيا من خلال مجلس الأمن القومي الذي كان قد تشكل في أعقاب انقلاب الجنرال جمال غورسيل في عام 1961م.

وكان هذا المجلس قد أطاح بحكومة عدنان مندريس آنذاك، فوجه المجلس الذي يسيطر عليه العسكريون رسالة في 28-2-1997م تحمل عباراتها التي صيغت بها لهجة الإنذار والوعيد لرئيس الوزراء أربكان الذي هو عضو في المجلس، تطلب منه تنفيذ عدد من الإجراءات الموجهة ضد نشاطات إسلامية، وضد مظاهر إسلامية كارتداء الحجاب، وضد مؤسسات إسلامية كمدارس الأئمة والخطباء ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم.

ومن اللافت للنظر أن يتزامن الإنذار الذي وجهه مجلس الأمن القومي لأربكان مع وجود رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال إسماعيل حقي قرضاي في الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين بزيارة رسمية ومعلنة.

وشهدت الأيام التي تلت إنذار جنرالات العلمانية لأربكان حالة من التوتر أربكت الساحة السياسية في تركيا، وزاد من حالة التوتر تصعيد جنرالات العلمانية لتهديداتهم ضد أربكان، وكانت الصحافة المتصهينة من علمانية وماسونية تصب البنزين على نيران حالة التوتر وتكتظ صفحاتها الأولى بالعناوين المثيرة كهذه العناوين التي أقدمها كنموذج:

- "الجنرالات يرفعون البطاقة الصفراء في وجه أربكان" (3-3-1997م)...!

- "الجيش التركي يستعرض عضلاته في إحدى ضواحي أنقرة التي كانت قد شهدت مظاهرة ضد (إسرائيل ..)" (5-3-1997م).

- "رئاسة الأركان تؤكد أنها لن تنسجم إلا مع حكومة علمانية" (4-3-1997م).

- "الشرطة تغلق (18) مركزا للتعليم الإسلامي" (29-4-1997م).

- "الجنرال كنعان دينتير يقول: تحطيم الأصولية الإسلامية في تركيا مسألة حياة أو موت بالنسبة إلينا" (30-4-1997م).

- "الجنرالات غير راضين عن الحكومة الإسلامية" (26-4-1997م).

- "مجلس الأمن التركي يتحدى أربكان بإصدار تقرير (70 صفحة) عن خطر الرجعية في تركيا على العلمانية" (1-3-1997م).

- "تركيا تواجه إمكانية وقوع انقلاب عسكري لطرد الإسلاميين من الحكم" (13-6-1997م).

- "الجيش يصدر لائحة سوداء بأسماء (600) مؤسسة صناعية وتجارية ويدعو الحكومة والشعب لمقاطعتها لأن الأصوليين يديرونها" (8-6-1997م).

- "الجيش يتهم حزب الرفاه علنا بدعم الأصولية وبالتحريض ضد العلمانية" (12-6-1997م).

- "محكمة عسكرية تأمر بتوقيف ثلاثة من مرافقي أربكان" (14-6-1997م).

- "الجيش يهدد باللجوء إلى السلاح لإزالة الخطر الأصولي على العلمانية" (12-6-1997م).

- "الإنذار الأخير من مجلس الأمن القومي لأربكان" (1-6-1997م).

- "تنامي قوة الرفاه تهديد للعلمانية" (4-9-1997م).

وعلى الجانب المقابل كان أربكان وحزب الرفاه يتصدون لحملات التهديد والوعيد، ففي تصريح أدلى به أربكان في 11-2-1997م وفسره المراقبون على أنه بمثابة رسالة تحد لجنرالات العلمانية أكد أربكان عزم حكومته على بناء مسجد ضخم في ميدان "التقسيم" في إسطنبول حيث ينتصب أكبر تمثال لمصطفى كمال، وبناء مسجد آخر في أنقرة في منطقة "شانكايا" التي تحتضن مقار مؤسسات الجمهورية العلمانية الرسمية.

وبعد صدور إنذار جنرالات العلمانية بأيام أكد أربكان للصحافة أن العلمانية لا تعني قلة الدين.. في لفتة إيحائية ترمز إلى رفضه مطالب الجنرالات التي كانت موجهة ضد المؤسسات والنشاطات الإسلامية.

وفي 9-3-1997م، أي بعد أسبوع من إنذار الجنرالات حذر أربكان في تصريح صحفي الجيش من محاربة الإسلام، مؤكدا أنه لا يمكن لأحد أن يقضي على شعب مؤمن.

وفي 11-6-1997م صرح أربكان بأنه سيحتكم إلى الشعب التركي إذا أصر الجنرالات على مطالبهم..

وفي 5-11-1997م افتتح أربكان اجتماعا ضم ممثلين لثماني دول إسلامية لبحث إمكانية تشكيل سوق إسلامية مشتركة، واعتبر العلمانيون والماسونيون اللقاء بمثابة إعلان حرب جديد على النظام العلماني، فطفقوا في محافلهم وصحافتهم يهاجمون أربكان ويتهمونه بمعاداة العلمانية وبمحاولة إعادة تركيا إلى الإسلام.

وكانت الدول المشتركة في اللقاء هي باكستان وإيران ومصر وماليزيا ونيجيريا وبنجلادش وإندونيسيا وتركيا.

الجنرالات يتراجعون ظاهريا :

Página 78