Escenas de los reinos

Idwar Ilyas d. 1341 AH
105

Escenas de los reinos

مشاهد الممالك

Géneros

وقد أنشئوا مكاتب للبريد داخل المعرض ووضعوا 76 صندوقا للمراسلات يفرغها السعاة في أوقات معلومة، وأوجدوا أيضا مكاتب للتلغراف والتلفون بلغ عددها 56 مكتبا حتى إن الواقف في أرض المعرض كان يمكن له مراسلة أية جهة أرادها من أقاصي الأرض وهو في مكانه، فكان في ذلك تسهيل كبير لأعمال المعرض وأصحابه وزائريه، وفتحوا ثلاثة فروع للبنوك المشهورة داخل أرض المعرض، فكان المرء يقبض المال إذا أبرز تحويله بلا مشقة الانتقال إلى مكان بعيد، وبلغ عدد المطاعم في جوانب المعرض مبلغا كبيرا، ولكن كثرتها لم تغن عن الزحام بالنظر إلى كثرة القادمين، فكانوا يدخلون الطالبين في أكثرها بموجب نمر يعطونها لكل قادم في دوره فيقف الرجل وبيده النمرة حتى إذا خلا مكان على موائد المطعم دخل وتغذى فيه، فكان كثير من الناس يضجر من طول زمان الوقوف وانتظار أمر الخادم له بالدخول فينصرف وهو جائع والمال في جيبه وفير كثير.

دخلت هذا المعرض من البوابة الأثرية يوصل إليها من ميدان الاتحاد (بلاس ده لاكونكورد)، وهي بناء جميل علوها 38 مترا ومساحة بنائها 500 متر، وقد فتحوا فيها 76 طاقة أو نافذة لبيع التذاكر، و38 مدخلا يمكن أن يدخل منها 2000 شخص في آن واحد أو 6000 شخص في كل ساعة، بنوها من الطوب والحديد والخشب، وطلوها ببهي الألوان الزاهية كالأخضر والأحمر والأزرق، ويتخلل خطوطها عروق الذهب، وتخفق في أعلاها وفي جوانبها الأعلام ورصعوها ترصيعا بديعا بالمصابيح الكهربائية الصغرى، إذا خيم الظلام وأرخى الليل سدوله أناروها بالنور الكهربائي فتلألأت وضاءت كأنما هي نجوم الثريا في كبد السماء، أو عقود من الجوهر واللؤلؤ تسطع وتلمع في عنق غانية حسناء، ولها جمال فتان ورونق يذهب بالأفكار ويسترق الأذهان، فدخلت من هذه البوابة البديعة على ما تقدم القول، وسرت في جنة من الأزهار والرياحين تتدفق المياه من أنصابها وبركها البهية حتى وجدتني أمام قصرين منيفين وصرحين فخيمين شادتهما حكومة فرنسا من الممر النفيس بناء متينا محكما ، وزينتهما بمنتهى ما وصل إليه حذق الصناع من غرائب النقش والزخرف والتزويق، حتى إنها أنفقت عليهما مليوني جنيه، وكان بينهما شارع جميل يوصل إلى جسر إسكندر الثالث، وهذا قليل من وصف هذين القصرين الفخيمين:

القصر الكبير:

فأما القصر الكبير فكان معرض الفنون، وما تم في بابها مدة السنين العشر التي مضت قبل افتتاح المعرض بلغت ساحته 40000 متر مربع أو أقل من عشرة فدادين بالشيء القليل، وجمع بين متانة البناء وفخامته وبين غرائب الزخرف ودقة الصناعة وبهاء الألوان، ولم ينهج مهندسوه منهجا واحدا في بنائه، ولكنهم جمعوا بين الأساليب اليونانية والأوروبية الوسطى (رنيسانس)، وهم يريدون بهذا الاسم تجدد الحضارة على عهد لويس الثالث عشر، ولويس الرابع عشر من ملوك فرنسا في القرن السابع عشر. وقد جعلوا عمد هذا البناء العجيب مضلعة ونقشوا بين ضلوعها ورق السنديان وثمره على المرمر النقي، وجعلوا هذا النقش بلون السنديان الطبيعي، فكان لمنظر تلك العمد البهية تأثير يفرح النفوس، وزخرفوا واجهته بالتماثيل والأنصاب، وجعلوا له بوابة واسعة ذات عمد رخامية توصل إلى رواقين، قام كل رواق منهما على 14 عمودا، وهما يتصلان بفناء رحيب طوله 200 متر وعرضه 55، وقد سقف بالزجاج، فعرضت دولة فرنسا في هذا الفناء ما صنعه النحاتون والمصورون من أبنائها من النقش والحفر على الرخام والحجر والجبس أشكالا لا تعد، هي رسوم رجال أو نساء من المشاهير ووحوش ضارية وطيور، فكان عدد هذه القطع أكثر من ألف، واشتركت بقية أمم أوروبا مع فرنسا في عرض هذه الأنصاب والتماثيل، فكان لمجموعها منظر رهيب ولا سيما إذا رآها المرء بمفرده في الليل، وقد تفنن الصناع في نقش بعض التماثيل فجعلوا بدن التمثال من الرخام الأبيض وشعره من الأسود وملابسه من الرخام الملون مثل تمثال الطبيعة، وهي شكل فتاة أسفرت عن وجهها وكشفت ستارها، جسمها من الرخام الأبيض وثوبها من الرخام المعرق بالأحمر والأصفر وشعرها من الأشقر الذهبي ورداؤها ضارب إلى الصفرة، وغير هذا مما يحدث فتنة في نفوس الناظرين.

ولقد صعدنا الدور الثاني من هذه الفسحة على سلم بديع الصنع من الحديد، جعلوا له أشكالا يشتغل بها الفكر دون سواها مدة الصعود، فإنهم صنعوا الحديد على شكل الأوراق والأغصان الطبيعية وطلوها باللون الأخضر تمثيلا للشكل الطبيعي، وقد خص هذا الدور الثاني بالفنون الجميلة أو «التصوير بالقلم»، وهو مطلب له عند الغربيين قدر وقيمة، حتى إن نفقات هذا القسم في المعرض بلغت 12 مليون فرنك، وكان فيه 40 قاعة جميلة عالية السقوف عريضة الجدران محلاة بعروق الذهب، وقد علقت في جدرانها الرسوم النفيسة فلم تقل عن خمسة آلاف رسم، نصفها من صنع مصوري فرنسا والنصف من بقية الأمم. وقد رأيت بين هاتيك الرسوم البديعة ما يمثل كل حالة في الأرض وأهلها، ففيها رسوم الليل والنهار، وصور الضاحك والباكي والشيخ والفتى والحب والهجر والجبال والبحار والمعارك والمؤتمرات والملوك والكبراء، وبقية الأحوال على أشكالها، فكانت أفواج الزائرين تقف متأملة ممعنة معجبة بتلك المحاسن التي أظهرتها فنون المصورين، وحانت مني التفاتة إلى صورة في القسم الروسي، فألفيتها تمثل ملك الحبشة في مجلسه الرسمي واقفا ويده على رأس نمر، ورأيت صورة القيصر بطرس الأكبر وبيده طفل هو لويس ملك فرنسا العظيم؛ لأنه لما ذهب بطرس لزيارة باريس كان لويس طفلا فأخذه بين يديه وقال: إني الآن أحمل فرنسا كلها بيدي، وهنالك صور أفراد بالشكل الطبيعي لا تستره الملابس، وهو منظر لم تألفه الأذهان الشرقية، ولكنهم تعودوه في بلاد الغرب فترى صغارهم وكبارهم من النوعين يتفرجون عليها ولا يبالون، مثل صورة الريشة، وهي على شكل فتاة لم تلبس غير قميص يستر بدنها ومنكبيها، وحول وسطها منطقة تتدلى منها الحمائل وقد عقصت شعرها ولفته في أعلى الرأس غدائر متوالية صعدا، ثم عصبت هذه الغدائر الحسناء بعصابة من الذهب مرصعة باللؤلؤ والجوهر، وقد أمسكت ريشة زرقاء بيسارها فكان ذلك علة اسمها.

ومن ذلك صورة الزهرة، وهي أيضا على شكل فتاة غضة الشباب بهية الإهاب، أرخت بعض ذوائبها على جبين لها وضاح يزري بنور الصباح، وقد كللت رأسها الجميل ببديع الأزهار والرياحين، وأمسكت بيمينها عرقا من هذه الأزهار . وغير هذا كثير.

القصر الصغير:

وأما القصر الصغير فما أطلق عليه هذا الاسم لصغر فيه أو قلة في مواده؛ لأنه كان كثير الجوانب واسع الغرف جامعا لكل أثر من آثار الإنسان في أدواره السابقة جميعها، فترى فيه أدوات الحروب القديمة كالسيوف والخوذ والدروع والتروس، مما كانوا يحاربون به قبل السلاح الناري، وفيه الساعات القديمة والنقود على أشكالها، والأقفال والأمواس والسكاكين والآنية الفخارية، ورياش البيوت كلها وضعت على نسق يريكها لما كانت في أول الحالات كيف تحسنت وارتقت إلى أن بلغت مبلغها الحالي؛ لأنهم جمعوا مواد الحياكة والنسج كلها ليراها الرائي، ويتضح له كيف ينسج الثوب، ثم كيف يفصل، ثم كيف يخاط، إلى غير ذلك، وسيبقى هذان القصران في جملة معارض باريس الدائمة إتماما للفائدة، وضنا بكنوزهما من التلف، ذلك مع أن عاصمة الفرنسيس ملأى بالمتاحف، مثل: اللوفر والترو كاديرو، ولكنها أبدا تطلب المزيد في مثل هذا الأمر المفيد.

جسر إسكندر الثالث:

بعد الفراغ من هذين القصرين تركتهما وذهبت مارا على جسر إسكندر الثالث، دعي باسم القيصر الروسي السابق؛ تخليدا لذكر التحالف بين دولتي روسيا وفرنسا وقد وضع أساسه القيصر الحالي، وهو يومئذ ولي العهد لما زار مدينة باريس سنة 1896 واستقبل استقبالا بالغا منتهى العظمة والفخامة ما زال الناس يذكرونه إلى الآن. والجسر من غرائب الصناعة الحديثة ومشاهد باريس المعدودة، قليل نظيره في جمال شكله ورقة زخارفه وإتقان صنعه، هو عبارة عن قوس واحد نصبت فوق نهر السين طوله 107 أمتار من ضفة إلى ضفة، وعرضه 40 مترا، وقد أنفقوا عليه سبعة ملايين فرنك وزينوا طرفيه بقباب شاهقة مموهة بالذهب في أعلاها أشكال النسور الروسية، وهم ينيرونه كل ليلة بمئات من الأنوار الكهربائية، فيكون منظره غاية في الجمال.

Página desconocida