المشعر الثاني في كيفية شموله للأشياء (12) شمول حقيقة الوجود للأشياء الموجودة ليس كشمول معنى الكلي للجزئيات وصدقه عليها كما نبهناك عليه من أن حقيقة الوجود ليست جنسا ولا نوعا ولا عرضا إذ ليست كليا. طبيعيا بل شموله ضرب آخر من الشمول لا يعرفه إلا العرفاء الراسخون في العلم. وقد عبروا عنه تارة ب النفس الرحماني وتارة بالرحمة التي وسعت كل شيء أو ب الحق المخلوق به عند طائفة من العرفاء وبانبساط نور الوجود على هياكل الممكنات وقوابل الماهيات ونزوله في منازل الهويات.
(13) وستعلم معنى هذا الكلام من أن الوجود مع كونه أمرا شخصيا متشخصا بذاته متعينا بنفسه مشخصا لما يوجد به من ذوات الماهيات الكلية كيف يتحد بها ويصدق هي عليه في الخارج ويعرض مفهومه عليها عروضا في الذهن بحسب التحليل العقلي.
(14) ويظهر لك أيضا أنه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها أنها مختلفة الحقائق بحسب اختلاف الماهيات الإمكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته ومرتبة من مراتبه سوى الوجود الحق الأول الذي لا ماهية له لأنه صريح الوجود الذي لا أتم منه ولا أشد قوة وكمالا ولا يشوبه عموم وخصوص ولا يحده حد ولا يضبطه اسم ورسم ولا يحيط به علم وعنت الوجوه للحي القيوم.
Página 59