فأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به، وليس مع الشريطة التي أوجبت منك سماع ولا طاعة.
وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك، فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أوكد عنده وأقرب من طبه من الباب الذي فتحه عليك.
رسائل أبي جعفر
ولم يكتف أبو جعفر بما كان يبعث به من الكتب المنمقة إلى أبي مسلم، وبما كانت تحويه من العبارات الخلابة والثناء المزيف، فقد كانوا يكتبون إليه يعظمون أمره ويشكرون ما كان منه، ويسألونه أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة، ويحذرونه عاقبة الغدر ويأمرونه بالرجوع إلى أمير المؤمنين وأن يلتمس رضاه. نقول: لم يكتف أبو جعفر بذلك، فكان يرسل دهاة الساسة عنده إلى أبي مسلم يغررون به، ويظهرون له إعجاب أبي جعفر بحزمه وشجاعته وتقديره لخدماته وبعد نظره.
فقد بعث بأحد هذه الكتب مع أبي حميد المروروذي وقال له: «كلم أبا مسلم بألين ما تكلم به أحدا، ومنه وأعلمه أني رافعه وصانع به ما لم يصنعه به أحد، إن هو صلح وراجع ما أحب، فإن أبى أن يرجع فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: «لست للعباس وأنا بريء من محمد إن مضيت مشاقا ولم تأتني إن وكلت أمرك إلى أحد سواي، وإن لم آل طلبك وقتالك بنفسي، ولو خضت البحر لخضته، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك.» ولا تقولن له هذا الكلام حتى تيأس من رجوعه ولا تطمع منه في خير.»
فيذهب أبو حميد في معشر من دهاة أصحابه وذوي الرأي والتأثير إلى أبي مسلم فيدفع إليه الكتاب ويقول له: «إن الناس يبلغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله وخلاف ما عليه رأيه فيك حسدا وبغيا يريدون إزالة النعمة وتغييرها، فلا تفسد ما كان منك.»
ولا يزال يضرب له على هذه الوتيرة ويبالغ له في التعظيم، ثم يقول له: «يا أبا مسلم، إنك لم تزل أمين آل محمد، يعرفك بذلك الناس، وما ذخر الله لك من الأجر عنده في ذاك أعظم مما أنت فيه من دنياك، فلا تحبط أجرك، ولا يستهوينك الشيطان.» فيقول له أبو مسلم: «متى كنت تكلمني بهذا الكلام؟!»
فيقول له متظاهرا بالإخلاص له والحب: «إنك دعوتنا إلى هذا وإلى طاعة أهل بيت النبي
صلى الله عليه وسلم
بني العباس، وأمرتنا بقتال من خالف ذلك، فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة، فجمعنا الله على طاعتهم وألف بين قلوبنا بمحبتهم وأعزنا بنصرنا لهم، ولم نلق منهم رجلا إلا بما قذف الله قلوبنا حتى أتيناهم في بلادهم ببصائر نافذة وطاعة خالصة، أفتريد حين بلغنا غاية منانا ومنتهى أملنا أن نفسد أمرنا ونفرق كلمتنا، وقد قلت لنا: من خالفكم فاقتلوه وإن خالفتكم فاقتلوني.»
Página desconocida