الله الله فانظر لنفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تغرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت أخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه عليها من الناس، فلا تعرضها لله في سفك دم ولا استحلال محرم والسلام. (3-2) كتاب المهلب إلى الحجاج
وكتب المهلب إلى الحجاج:
أما بعد، فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل، ليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم ويشموا أولادهم ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله.
ولكن حقد الحجاج على عبد الرحمن وغيظه منه كان قد بلغا أقصى مدى، فأعمياه عن سماع هذه النصيحة الحكيمة، كما أعميا خصمه عبد الرحمن عن الرجوع إلى سبيل الرشد، فكانت الحرب الهوجاء الطاحنة التي كادت تعصف بالحجاج فتهلكه، ثم دار القدر دورة أخرى في الساعة الحاسمة فانهزم عبد الرحمن وغنم الحجاج الفوز في ساعة اليأس المميت.
ولقد استهان الحجاج برأي المهلب وظنه يخدعه، فقال بعد قراءته: «فعل الله به وفعل، لا والله ما لي نظر، ولكن لابن عمه نصح.»
والحق أن المهلب قد نصح ابن عمه كما نصح الحجاج، وكان بعيد النظر سديد الرأي موفق التدبير، وقد ظهر للحجاج بعد نظر المهلب وصدق رأيه حين هزمه ابن الأشعث فقال: «لله أبوه، أي صاحب حرب هو! أشار علينا بالرأي ولكن لم نقبل.»
ولقد امتلأ ابن الأشعث غرورا بعد هزيمة الحجاج، وظهرت مطامعه الجريئة واضحة في قوله وهو يخطب أصحابه: «أما الحجاج فليس بشيء، ولكنا نريد غزو عبد الملك.» (3-3) وقعة الزاوية
قال أبو الزبير الهمداني: كان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة، واقتتلوا في المحرم من سنة 82، فتزاحفوا ذات يوم، فاشتد قتالهم، ثم إن أهل العراق هزموهم حتى انتهوا إلى الحجاج وحتى قاتلوهم على خنادقهم وانهزمت عامة قريش وثقيف.
ثم إنهم تزاحفوا في المحرم في آخره - في اليوم الذي هزم فيه أهل العراق أهل الشام - فنكصت ميمنتهم وميسرتهم واضطربت رماحهم وتقوض صفهم حتى دنوا منا. (3-4) ساعة حرجة
قال الهمداني: فلما رأى الحجاج ذلك جثا على ركبتيه وانتضى نحوا من شبر من سيفه وقال: «لله در مصعب ما كان أكرمه حين نزل به ما نزل !»
Página desconocida