على شربه، وليس بجميع مكة- فيما علمته- شجر مثمر إلا شجر البادية، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل، وأما الحرم فلم أر ولم أسمع أن به شجرا مثمرا، إلا نخيلات رأيتها بفخّ ونخيلات يسيرة متفرقة، وأما ثبير فهو جبل مشرف يرى من مني والمزدلفة، وكانت الجاهلية لا تدفع من المزدلفة إلا بعد طلوع الشمس إذا أشرقت على ثبير، وبالمزدلفة المشعر الحرام، وهو مصلى الإمام يصلى به المغرب والعشاء والصبح، والحديبية بعضها فى الحلّ وبعضها فى الحرم، وهو مكان صدّ فيه المشركون رسول الله ﷺ عن المسجد الحرام، وهو أبعد الحلّ إلى البيت، وليس هو فى طول الحرم ولا فى عرضه إلا أنّه فى مثل الزاوية للحرم فلذلك صار بينها وبين المسجد أكثر من يوم.
وأما المدينة فهى أقل من نصف مكة، وهى فى حرّة سبخة الأرض، ولها نخيل كثيرة، ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار، يستقون منها العبيد، وعليها سور، والمسجد فى نحو من وسطها، وقبر النبي ﷺ من المسجد فى شرقيه قريبا من القبلة، وهو الجدار الشرقى من المسجد، وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة، وهو مسدود لا باب له، وفيه قبر رسول الله ﷺ وقبر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله ﷺ غشّى بمنبر آخر، والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر، ومصلى رسول الله الذي كان يصلى فيه الأعياد فى غربى المدينة داخل الباب، وبقيع الغرقد خارج باب البقيع فى شرقى المدينة؛ وقباء خارج المدينة على نحو من ميلين إلى ما يلى القبلة، وهو مجمع بيوت للأنصار يشبه القرية؛ وأحد جبل فى شمالى المدينة، وهو أقرب الجبال إليها على مقدار فرسخين، وبقربها مزارع فيها ضياع لأهل المدينة توازى «١» العقيق فيما بينها وبين الفرع، والفرع من المدينة على أربعة أيام فى جنوبيّها، وبها مسجد جامع، غير أن أكثر هذه الضياع خراب، وكذلك حوالى المدينة ضياع كثيرة وأكثرها خراب، والعقيق واد من المدينة فى قبليها على أربعة أميال فى طريق مكة، وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق.
وأما اليمامة فإنّ مدينتها دون مدينة الرسول، وهى أكثر تمرا ونخلا من المدينة ومن سائر الحجاز.
وأما البحرين فإنها من ناحية نجد، ومدينتها هجر وهى أكثر تمورا، إلا أنها ليست من الحجاز، وهى على شط بحر فارس، وهى ديار القرامطة، ولها قرى كثيرة وقبائل من مضر ذوو عدد قد احتفّوها، وليس بالحجاز مدينة بعد مكة والمدينة أكبر من اليمامة، ويليها فى الكبر وادى القرى، وهى ذات نخيل كثيرة وعيون، والجار فرضة المدينة وهى على ثلاث مراحل من المدينة على شط البحر، وهى أصغر من جدّة، وجدّة فرضة أهل مكة على مرحلتين منها على شط البحر، وهى عامرة كثيرة التجارات والأموال، ليس بالحجاز بعد مكة أكثر مالا وتجارة منها، وقوام تجارتها بالفرس.
النص / 23