فأخذ من مملكة الروم الشام ومصر والمغرب والأندلس، وأخذ من مملكة الهند ما اتصل بأرض المنصورة والملتان إلى كابل وطرف أعلى طخارستان، وأخذ من مملكة الصين ما وراء النهر، وانضاف إليه هذه الممالك العظيمة، فمملكة الروم تدخل فيها حدود الصقالبة ومن جاورهم من الروس والسّرير واللّان والأرمن ومن دان بالنصرانية، ومملكة الصين تدخل فيها سائر بلدان الأتراك وبعض التبّت ومن دان بدين أهل الأوثان منهم، ومملكة الهند تدخل فيها السند وقشمير وطرف من التبّت ومن دان بدينهم، ولم نذكر بلد السودان فى المغرب والبجة والزنج ومن فى أعراضهم من الأمم، لأن انتظام الممالك بالديانات والآداب والحكم وتقويم العمارات بالسياسة المستقيمة، وهؤلاء مهملون لهذه الخصال، ولا حظّ لهم فى شىء من ذلك فيستحقون به إفراد ممالكهم بما ذكرنا به سائر الممالك، غير أن بعض السودان المقاربين لهذه الممالك المعروفة يرجعون إلى ديانة ورياضة وحكم، ويقاربون أهل هذه الممالك مثل النوبة والحبشة، فإنّهم نصارى يرتسمون بمذاهب الروم، وقد كانوا قبل الإسلام يتصلون بمملكة الروم على المجاورة، لأن أرض النوبة متاخمة لأرض مصر والحبشة على بحر القلزم، وبينها وبين أرض مصر مفازة فيها معدن الذهب، ويتصلون بمصر والشام من طريق بحر القلزم، فهذه الممالك المعروفة، وقد زادت مملكة الإسلام بما اجتمع إليها من أطراف هذه الممالك.
وقسمة الأرض على الجنوب والشمال: فإذا أخذت من المشرق من الخليج الذي يأخذ من البحر المحيط بأرض الصين، إلى الخليج الذي يأخذ من هذا البحر المحيط من أرض المغرب بأرض الأندلس، فقد قسمت الأرض قسمين، وخط هذه القسمة يأخذ من بحر الصين حتى يقطع بلد الهند ووسط مملكة الإسلام، حتى يمتد إلى أرض مصر إلى المغرب، فما كان فى حدّ الشمال من هذين القسمين فأهله بيض، وكلما تباعدوا فى الشمال ازدادوا بياضا، وهى أقاليم باردة، وما كان مما يلى الجنوب من هذين القسمين فإنّ أهله سود، وكلما تباعدوا فى الجنوب ازدادوا سوادا، وأعدل هذه الأماكن ما كان فى الخط المستقيم وما قاربه، وسنذكر كل أقليم من ذلك بما يعرف قربه ومكانه من الإقليم الذي يصاقبه. فأما مملكة الإسلام فإنّ شرقيها أرض الهند وبحر فارس، وغربيّها مملكة الروم وما يتصل بها من الأرمن واللّان والرّان والسرير والخزر والروس وبلغار والصقالبة وطائفة من الترك، وشماليّها مملكة الصين وما اتصل بها من بلاد الأتراك، وجنوبيّها بحر فارس؛ وأما مملكة الروم فإن شرقيّها بلاد الإسلام، وغربيّها وجنوبيّها البحر المحيط، وشماليّها حدود عمل الصين، لأنّا ضممنا ما بين الأتراك وبلد الروم من الصقالبة وسائر الأمم إلى بلد الروم، وأما مملكة الصين فإنّ شرقيّها وشماليها البحر المحيط، وأما جنوبيّها فمملكة الإسلام والهند، وأما غربيّها فهو البحر المحيط، إن جعلنا يأجوج ومأجوج وما وراءهم إلى البحر من هذه المملكة، وأما أرض الهند فإن شرقيها بحر فارس، وغربيّها وجنوبيّها بلاد الإسلام، وشماليّها مملكة الصين، فهذه حدود هذه الممالك التى ذكرناها. وأما البحار فإنّ أعظمها بحر فارس وبحر الروم، وهما خليجان
النص / 16