على صحبتهم، فلم يظهر خيرة، وتفألت بكتاب الله تعالى على انتظار الرفقة الاولى وان تأخروا كثيرا، فظهر قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره . فقد باء بغضب من الله ثم خرجت قافلة أخرى على طريق «أذنة» فاستخرت الله تعالى على الخروج معها فلم يظهر خيرة، فضقت لذلك ذرعا وسئمت الإقامة، وتفألت بكتاب الله تعالى في ذلك، فظهر قوله تعالى واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين (1) ثم خرجت قافلة رابعة على الطريق المذكور، فاستخرت الله تعالى على رفقتها، فلم يظهر خيرة. وكانت القافلة التي أمرنا بالسفر معها تسوفنا بالسفر يوما وتكذب كثيرا في أخبارنا، ففتحت المصحف صبيحة يوم السبت وتفألت به فظهر قوله تعالى وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (2). فتعجبنا من ذلك غاية العجب وقلنا ان كانت القافلة تسافر في هذا اليوم فهو من أعجب الأمور وأغربها وأتم البشائر بالخير والتوفيق، فأرسلنا بعض أصحابنا يستعلم الخبر، فقالوا له: اذهب إلى أصحابك واحملوا «امتعتكم» ففي هذا اليوم نخرج. فحمدنا الله تعالى على هذه النعم العظيمة والمنن الجسيمة التي لا نقدر على شكرها.
ثم بعد ذلك ظهر لاقامتنا بحلب تلك المدة فوائد واسرار لا يمكن حصرها، وظهر لسفرنا على الطريق المذكور أيضا فوائد وأسرار وخيرات لا تحصى، وأقلها أنه بعد ذلك بلغنا ممن سافر على تلك الطريق التي نهينا عنها أن عليق الدواب وزاد الناس كان في غاية القلة والصعوبة والغلاء العظيم، حتى أنهم كانوا يشترون العليقة الواحدة بعشرة دراهم عثمانية، واحتاجوا مع ذلك إلى حمل الزاد أربعة أيام لعدم وجوده في الطريق، لا للدواب ولا للإنسان، فلو نسافر في تلك الطريق، لاتجه علينا ضرر عظيم لا يوصف، بل لا يفي جميع ما كان بيدنا من المال بالصرف في الطريق.
Página 18