ثامنا:
مدح مرتب ترتيبا أبجديا في ربة الدار إصحاح 31 جاء فيه: «امرأة فاضلة، من يجدها؟ لأن ثمنها يفوق اللآلئ، بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة، تصنع له خيرا لا شرا كل أيام حياتها، تطلب صوفا وكتانا وتشتغل بيدين راضيتين، هي كسفن التاجر تجلب طعامها من بعيد وتقوم إذ الليل بعد، وتعطي أكلا لأهل بيتها وفريضة لفتياتها، تتأمل حقلا فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرما ...»
هذا عرض موجز لهذا السفر، نتبين منه نوع محتوياته، والشخصيات التي أسندت إليها هذه المحتويات، والآن نتساءل: لماذا نسب هذا السفر إذن إلى سليمان؟
نحن نعلم أن ابن داود تولى الملك بعد وفاة أبيه حول منتصف القرن العاشر قبل الميلاد، وحكم ما يقرب من أربعين عاما انصرف فيها إلى الإصلاحات الداخلية، وتوثيق العلاقات الخارجية بينه وبين جيرانه، فخط المدن وأمن الطرق، فازدهرت التجارة وارتقى مستوى المعيشة. بنى المعبد وزوده بمختلف الأواني التي تدل على روعة الفن وجمال الذوق، هذا إلى جانب الأبنية العظيمة التي شيدها في مختلف المدن، وكما يفيض سفر الملوك الأول بأعمال سليمان كذلك القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى:
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور . وكانت النتيجة المحتومة للانصراف إلى الإصلاحات الداخلية وارتقاء مستوى المعيشة أن توجه الشعب إلى ضروب الفنون، وشعب الأدب المختلفة، خاصة الشعر. وكانت للشعب أسوة حسنة في ملكه الشاعر الحكيم الذي يقول فيه الإصحاح الثالث من سفر الملوك الأول: إنه في أول عهده بالملك ذهب إلى مدينة «جبعون» وقدم قرابين لله، فتراءى له حلم ليلا أن الله سأله حاجته. فقال سليمان: «إلهي لقد ملكت عبدك مكان داود أبي، وأنا ما زلت فتى صغيرا لا أعلم الخروج والدخول ... فأعط عبدك قلبا فهيما لأحكم على شعبك وأميز بين الخير والشر.» ويحدثنا السفر نفسه أن «الله أعطى سليمان حكمة وفهما كثيرا جدا، ورحبة صدره «قلبه» كالرمل الذي على شاطئ البحر، وفاقت حكمة سليمان جميع أبناء الشرق وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس؛ من إيثان الأزراحي وهيمان وكلكول ودردع بني ماحول، وبلغ صيته جميع الأمم التي حوله، وتكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت قصائده ألفا وخمسا، وتكلم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط، وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك ...» وفيما يقرب من هذا المعنى يقول القرآن الكريم:
وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين .
الفن اليهودي
في اعتقادنا أن الحديث عن الفن اليهودي يتطلب البحث في أمرين: الأول طبيعة الديانة الموسوية وروحها، والثاني قومية اليهود ومصيرهم السياسي. أما الأمر الأول فإن قوامه بالنسبة إلى ما نحن بصدده ما جاء في الوصية الثانية من الوصايا العشرة، وإلى القارئ نصها في الإصحاح العشرين من سفر الخروج:
لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن.
وعند الدكتور زكي محمد حسن أن المعروف أن الإنسان في العصور القديمة كان يصنع الصور والتماثيل لهذا الغرض قبل كل شيء؛ ولذا كان كل فن دينيا إلى حد كبير. والحق أن الفن في ذروة مجده يعبر عن شيء إلهي في الإنسان أو بوساطته، وحسبك أن تفكر في معبد كمعبد الأقصر أو البارتينون، وفي لوحات فنية من تصوير رفائيل أوروبنز، وفي قطعة موسيقية من بيتهوفن أو واجنر، وفي مسجد كجامع السلطان حسن، أو كاتدرائية قوطية الطراز ككاتدرائية نوتردام في باريس. نقول: حسبك أن تذكر هذه الآثار لتدرك أن أعظم المنتجات الفنية ما كان تعبيرا عن الشعور الديني؛ ذلك أن الفن لا يتجلى في أعمال طبقة خاصة من الناس، كأعلام الفنانين فحسب. وقد كان الإنسان الأول يصنع الإناء ليستعمله في حاجاته اليومية. ولم يكن يعرف الفن للفن، فيتخذ الإناء تحفة يستمتع بالنظر إليها، ولذا كان لكل منتجاته أغراض تستعمل فيها، ولكنها لم تكن على رغم ذلك أقل روعة من التحف الفنية في العصور التالية، بل كانت تفوقها في معظم الأحيان وضوحا وبساطة وجمالا.
Página desconocida