وفي 16 فبراير دار البحث حول طلب العرب الخاص بإنشاء دولة عربية مستقلة، وقد افتتح وزير المستعمرات البحث بخطبة بسطت بعض آراء عامة للتحقق من المقترحات التي يمكن قبولها كبديل لاقتراح العرب الخاص بإنشاء دولة عربية مستقلة. وقد رد جمال الحسيني بك على هذه الآراء ذاكرا أن عدم وجود دولة عربية مستقلة لا يتعارض مع سلامة الأقلية اليهودية. وتكلم الوفد الفلسطيني في هذه الجلسة قائلا: إن الحالة لا يمكن الصبر عليها، وأن لا علاج لها إلا بإنالة البلاد استقلالها، وإن كل حل آخر يكون عقيما!
وقد أيد الوفد العراقي طلب فلسطين وقال: إنها لا تقل عن العراق استحقاقا للاستقلال، وإن في العراق أقلية يهودية حقوقها مكفولة كما ستكون حقوق الأقلية اليهودية في فلسطين. وتكلم الوفد البريطاني عن الضمانات التي يجب أن تنالها الأقليات اليهودية في فلسطين المستقلة، وأشار إلى بعض الضمانات القائمة في الهند. فأجيب بأن الحالة في فلسطين تختلف عنها في الهند، وأن فلسطين مستعدة لقبول الضمانات التي أقرتها عصبة الأمم.
وقال علي ماهر باشا: إذا وافقت إنجلترا على استقلال فسطين سهل البحث في مسألة الضمانات، فهل هي موافقة على ذلك؟
فأجاب الوفد البريطاني بأنه سيجيب عن هذا السؤال في الجلسة المقبلة. وفي 17 فبراير لم يجتمع المؤتمر العربي، ولكن المباحثات الخاصة ظلت متوالية وهي تدور حول استقلال فلسطين والضمانات المطلوبة للأقليات. أما المؤتمر اليهودي الإنجليزي فقد اجتمع وتبادل الفريقان الآراء. وقد أكد اليهود في هذا الاجتماع أنهم لا يستطيعون بأي حال من الأحوال أن يقبلوا أي اقتراح يجعل من اليهود أقلية في فلسطين. وفي 18 فبراير عقدت جلسة المؤتمر العربي، وقد افتتحها المستر مكدونلد برد شديد على التهم التي وجهها الوفد الفلسطيني إلى إنجلترا في الجلسة السابقة. وقال: إنه لا ينكر أخطاء السياسة البريطانية، ولكنه يعتقد أنها لا تبرر بعض حوادث الثورة. ورد عليه السيد الحسيني ذاكرا حوادث من هذا النوع قام بها الإنجليز واليهود، واقترح علي ماهر باشا أن تضع الوفود العربية بيانا مشتركا، تضمنه رأيها في استقلال فلسطين والضمانات التي يمكن تقديمها للأقليات اليهودية.
وفي 20 فبراير اجتمع الوفد البريطاني مع الوفود المصرية والعراقية والسعودية والأردنية في قصر سان جيمس. وقد بدأ المؤتمر بحث مسألة الهجرة، وقد افتتح ماهر باشا الجلسة بخطبة مهمة باسم الوفود العربية، بسط فيها الحد الأدني الذي تستطيع البلدان العربية أن تعده حلا مرضيا للمشكلة الفلسطينية، ومما قاله: إن السياسة الرشيدة البعيدة النظر، لا يمكن أن تغفل أقل من إنشاء دولة عربية مستقلة في فلسطين يتمتع في ظلها جميع السكان ، وأفاض علي ماهر باشا في الكلام عن أهمية السلام في فلسطين من وجهة نظر الدول الديموقراطية الكبرى، خاصة بريطانيا العظمى، التي تعد مركزا لأكبر إمبراطورية إسلامية في العالم. وذكر رفعته سامعيه بأن فلسطين كانت في سنة 1919 بلادا عربية للمسلمين والمسيحيين فيها لغة واحدة ، وعادات واحدة، على حين كانت الأقلية اليهودية الصغيرة فيها تتكلم العربية أيضا، وتعيش مع العرب والمسيحيين في مودة وإخاء كشعب واحد.
وفي 21 فبراير لم يجتمع المؤتمر العربي ولا المؤتمر اليهودي. بل كان يوم اجتماعات خاصة بين معرب والمستر مكدونلد واليهود. وقد علقت الصحف الإنجليزية قائلة: إن فشل المؤتمر أصبح أمرا واقعا. وفي 22 فبراير اجتمع أعضاء المؤتمر العربي الإنجليزي، واستأنفوا مباحثاتهم في مسألة الهجرة. وفي 23 فبراير اجتمع زعماء اليهود ببعض مندوبي الحكومات العربية بدعوة من المستر مكدونلد. وقد افتتح المستر مكدونلد الجلسة ببيان ذكر فيه رغبة إنجلترا في حل عادل يعيد الطمأنينة إلى فلسطين، ثم تكلم علي ماهر باشا فقال: إن الحق والمنطق والمصلحة تقر مطالب فلسطين التي لا يمكن إيجاد حل عادل إلا على أساسها، وإن تصريح بلفور ليس حجة، فهو باطل لصدوره قبل احتلال فلسطين.
وفي 24 فبراير فرغ المؤتمران العربي الإنجليزي واليهودي الإنجليزي من المحادثات التمهيدية. وقد أبلغ المستر مكدونلد الوفود العربية أن الحكومة قررت قبول وجهة نظر الحكومات العربية الصديقة، والعمل على حل مشكلة فلسطين، على أساس جديد هو تأليف دولة مستقلة فيها، وإبدال الانتداب بمعاهدة. وفي يوم 24 فبراير، قدم الأمير فيصل رسالة والده إلى المستر تشمبرلين، وعلى أثر ذلك اجتمعت اللجنة الوزارية برياسة المستر مكدونلد، وأبلغت أعضاء الوفود العربية أن الحكومة قررت قبول وجهة نظر الحكومات العربية والعمل على إيجاد حل لمشكلة فلسطين على أساس جديد هو تأليف دولة مستقلة فيها وإبدال الانتداب بمعاهدة. وفي 25 فبراير اجتمعت الوفود العربية لدرس مقترحات الحكومة الإنجليزية. وفي 28 فبراير رفض الوفد اليهودي المقترحات البريطانية. وفي 2 مارس، بحثت المسألة الفلسطينية في مجلس الوزراء البريطاني. وفي 3 مارس، صدر في لندن الكتاب الأبيض حاويا المراسلات التي دارت بين الشريف حسين والسير هنري ماكماهون سنة 1915م. وفي 3 مارس سافر أمين عثمان باشا - وكيل وزارة المالية - لمقابلة مفتي فلسطين في لبنان. وفي 8 مارس اجتمع مندوبو العرب بالوفد البريطاني وقد تم الاتفاق على أن تضع إنجلترا بمساعدة مندوبي الحكومات العربية مشروعا للحل النهائي يعرض على المؤتمر. وفي 10 مارس عقد اجتماع بين الوفد البريطاني وبين علي ماهر باشا وفؤاد حمزة بك وتوفيق السويدي بك بالنيابة عن الدول الثلاث. وقد بسطت إنجلترا فيه مشروعها الجديد، وهو ينص على إنشاء حكومة مؤقتة لعشر سنين، وتحديد عدد المهاجرين بثمانين ألفا.
وفي 12 مارس، كتب المهاتماغاندي إلى جريدة صنداي تيمس رسالة قال فيها: تلقيت بضع رسائل يطلب أصحابها فيها إلي أن أعلن آرائي في مسألة العرب واليهود في فلسطين وفي اضطهاد اليهود في ألمانيا، فأقول: إنني أعطف العطف كله على اليهود، والخطة الشريفة تقضي بأن يعامل اليهود أينما ولدوا معاملة منصفة عادلة. ثم ختم رسالته قائلا: ليبرهن اليهود الذين يدعون أنهم شعب الله المختار على أنهم يستحقون هذا اللقب فيختاروا طريقا بعيدا عن وسائل العنف لتثبيت مركزهم في العالم، وكل بلد هو وطن، ومنه فلسطين. ولكن لن يكون لهم ذلك بالعنف والاعتداء بل بالمحبة. وفي 16 مارس رفض العرب واليهود المشروع البريطاني. وفي 17 مارس فض مؤتمر فلسطين بعد مباحثات دامت ستة أسابيع. وقد صرح عبد الرحمن عزام بك عضو وفد مصر قبل سفره لمدير مكتب «الأهرام» في لندن قائلا: «أعتقد أن هذه الأسابيع الستة قد غرست بذور الوحدة بين العرب، كما أنها ستغرس بذور الصداقة والتعاون في النهاية بين العرب والإنجليز.» (2) الكتاب الأبيض عن القضية الفلسطينية
في يوم الأربعاء 17 مايو سنة 1939م أذيع في وقت واحد في لندن والقاهرة والقدس ملخص الكتاب الأبيض عن فلسطين، وها هو نص الملخص:
أولا: الدستور (1)
Página desconocida