وقد أحدثت هذه الفظائع التي جرت في «ياسي» في كل بلاد اليونان فرحا شديدا، واشتاقت نفوس أهاليها للسلب والنهب، وذبح المسلمين باسم الحرية والدين!
وقد يجد الإنسان في بعض الكتب المنتصر أصحابها لليونان فصولا طويلة على هذه المذابح المختلفة والجرائم العديدة، ومن هذه المؤلفات أشهرها مؤلف المسيو «بوكفيل» المسمى «محطة الشرق» فقد جاء بالرغم عن شدة تعصب المؤلف ضد المسلمين بحقائق يخجل منها كل إنسان يحترم الإنسانية ويحبها.
ولما كانت المورة كما قدمنا منبعا للثورات والاضطرابات، حاصر اليونانيون مدينة «مونبازيا» فقاوم أهلها الحصار طويلا حتى فقدوا كل الذخائر والمأكولات، وكان يقود اليونانيين وقتئذ «ديمتريوس إيبسيلانتي» فاستعمل الخداع للاستيلاء على هذه المدينة، وأعلن أهلها بأنه يحترم أملاكهم وأموالهم ويحترم قبل كل شيء أرواحهم إذا سلموا المدينة، وأنه يساعدهم على الرحيل منها إذا أرادوا ذلك. فصدق أهل هذه المدينة الشقية كلام «إيبسيلانتي» وسلموا القلعة والأسلحة، فدخل اليونانيون المدينة وأول شيء قاموا به هو أنهم لم يحترموا لرئيسهم قولا ولا عهدا؛ بل هتكوا الأعراض، ونهبوا الأموال، وقتلوا النساء والأطفال قبل الرجال.
وإنه ليسهل على القارئ أن يتمثل قوما لا سلاح بأيديهم ولا قوة تحميهم، يهجم عليهم جماعة من أشرار اليونانيين وهم متسلحون بأنواع السلاح، ويتمثل مناظر المعارك الدموية التي تجري بينهم، ودفاع الموت الذي يدافع به المسلمون عن نسائهم وأطفالهم.
وقد كتب الكونتر أميرال الفرنساوي «هالجان» في عام 1821 تقريرا عن دخول اليونانيين إلى «مونبازيا» جاء فيه:
وقد وجد في قلعة مونمبازيا ثلاثمائة يوناني لم يكتف الأتراك أيام الحصار بمعاملتهم بالحسنى، بل عاملوهم كإخوتهم الحقيقيين أثناء المجاعة، واحترموا كنائسهم كل الاحترام، ولكن يونانيو المورة لم يعاملوا الأتراك بنفس هذه المعاملة عندما أخذوا المدينة، بل أتوا بأشنع القبائح وأفظعها في مساجد الأتراك.
أما المسجونون فقد أرسلوا بغير زاد إلى «كاسوميس»، ووجدت على الأرض العائلات الإسلامية التعسة تنازع نزاع الموت من الجوع والعطش، وهي نائمة على الأحجار، وحوالي الجزيرة وجدت جثث القتلى، وبالرغم من ذلك كله فقد أراد اليونانيون ضرب هاته العائلات بالرصاص، ولم تنج من أيديهم إلا بفضل المسيو «دي بونفور» الذي هدد اليونانيين، وأخذ كل الأتراك الموجودين بهذه الجهة في سفينة مخاطبا ضباط اليونانيين بأن ما عملوه هم ورجالهم لا يأتي به إلا لصوص البحار!
وهذا التقرير وحده يشهد بأبدع بيان على أن أنصار اليونان في أوروبا كذبوا على العالم كله الأكاذيب الشنيعة، وأن الجرائم والفظائع الدموية التي جرت في بلاد اليونان لم يأتها إلا اليونانيون ضد المسلمين.
وإن الفيلسوف ليقف مندهشا أمام هذه الدنايا والجرائم، ويعجب كيف أن شعراء أوروبا وكتابها كانوا ينتصرون لقوم لا تتغذى أرواحهم إلا بذبح الأبرياء، ولا تستريح نفوسهم إلا إلى الجرائم. فهل كان ينتظر شعراء أوروبا وكتابها من هؤلاء القوم الذين كتب عنهم ضباط أوروبا نفسها، وبعض من أفاضل كتابها ما قرأه القارئ أن يعيدوا لربوع اليونان مجدها السالف، وأن يردوا للوجود أتينا مشرقا لأنوار الحكمة والعرفان؟!
وقد استولى ثوار اليونان في 19 أغسطس سنة 1821 على مدينة «ناورين» الشهيرة، وأتوا فيها من الفظائع ما لم تره عين ولم تسمع به أذن.
Página desconocida