وبعد أن تم تأسيس أسرة البهمان في الدكن في 1347، قامت قوة هندوسية في الجنوب، ولما مات بهمان شاه في 1358 كانت فيجاياناجار عاصمة الملك بوكا، الابن الباقي من أبناء سانجاما، وكانت هذه العاصمة على أعالي التانجابهادرا التي بناها فيرا باللالا الثالث، وقد امتنعت أسوارها ذات السبع صفوف على الغزاة في خلال قرنين. وقد ذهب كمال الدين عبد الرازق، الذي ورد ذكره في كتاب الهند في القرن الخامس عشر، موفدا من سمرقند في مهمة إلى فيجاياناجارا، فوصف ما كان فيها من قصر ملكي منيف وراقصين وحاشية وممثلين وفيلته التي تظهر في التمثيل، وقد دام النزاع بين الهندوس والمسلمين حول هذه المملكة منذ أعلن فيروز شاه تقلق عدم تدخله في شئون الجنوب، وكانت حروب هذه المملكة في الدكن إلى أن استطاع باكا الأول أن يهزمه.
ولقد كتب نيقولا كونتي، من أشراف البندقية، بعد رحلة إلى الهند قبل 1440 «راجع الجزء الثاني من كتاب الهند في القرن الخامس عشر» يقول عن فيجاياناجار التي أسماها «بيزينجاليا»: «إن محيط المدينة يبلغ 60 ميلا، وأسوارها تصعد إلى الجبال لتغلق الأودية التي في سفحها. أما سكانها فإنهم يتزوجون ما يطيب لهم من النساء، وزوجاتهم يحرقن معهم حين وفاتهم. أما ملكها فهو أقوى ملوك الهند، وقد اختص لنفسه باثنتي عشرة ألف زوجة يتبعه منهن مشيا على الأقدام أربعة آلاف ويستخدمن في المطبخ، وأربعة آلاف أخرى يركبن الجياد، وأما الباقيات فيحملهن الرجال على محفات، ويختار الملك منهن ألفين أو ثلاثة كزوجات يحرقن أنفسهن معه، وهذا يعد شرفا لهن. وقد بلغت عادة الساتي؛ أي التضحية بالنفس في سبيل وفاة الزوج، أوجها في هذه المملكة».
وجاء بعد ديفارايا الثاني مالليكارجونا، الذي قضى على هجوم شنته مملكة الدكن ومملكة أوريسا الهندوسية. أما خلفه وهو أخوه فيراباكشا فقد عزله سالوفاناراسيمها بمساعدة قائده نارسا في 1487 مستوليا على الحكومة ومستردا أكثر ما فقدته المملكة في عهد سلفه الضعيف المعزول، ويعرف هذا بالاغتصاب الأول. أما الثاني فقد حدث حول 1505 وكان من أثره شيوع الفوضى، إلى أن قضى عليها كريشنا ديفارايا بن ناراسا وأعظم ملوك فيجاياناجار، الذي جلس على العرش في 1509، وعلى ساحل بيجابور كانت أساطيل المسلمين والبرتغاليين ناشطة، وهؤلاء البرتغاليون الغزاة كانوا يستخدمون بعض الهنود في محاربة الهنود الآخرين.
بعثة برتغالية
وقد زارت بعثة برتغالية فيجاياناجار وكان أوفدها «الباكيرك» لعقد معاهدة تجارية ومحالفة مع زامورين أوف كلكات على أثر جلوس كريشنا على العرش، وهو الذي استرد من أوريسانا بعض ما أخذته من مملكته في 1516، وفي 1520 انتهز فرصة الحرب التي قامت بين ممالك الدكن الخمس فضم إليها ريشوردوب التي كانت سببا في الحرب مع الدكن منذ عهد محمود الأول؛ أي منذ 160 سنة. كان كريشنا قائدا قديرا احتل بيجابور ودمر قلعة جالبارجا وهي العاصمة الأصلية لمملكة البهمان، غير أنه كان رحيما بالمهزومين، وقد بذل كثيرا في سبيل المعابد والبرهمة. وكانت الحكومة في الجنوب تجري يومئذ على الاستيلاء على نصف المحصول تاركة النصف الآخر للزراع الذين كانوا في حالة تعسة من الفاقة والشقاء، مجهودهم موقوف على حكامهم من مسلمين وهندوسيين. وكان ممن زاروا حول 1470 الهند وبيدار وفيجاياناجار، تاجر من تفير يدعى أثناسياس نيكتين، فذكر أن السكان كثيرون، وأنهم فقراء، وأن الأشراف منصرفون إلى الملذات، يحملون على أسرتهم المموهة بالذهب يتقدمها عشرون مسلحا في زي ذهبي يتبعهم 300 من الفرسان و500 من المشاة، وكان عدد اللصوص قليلا؛ لأن العقاب صارم وحشي. وكان لحاكم فيجاياناجار جيش كبير يأتمر هو والرعايا بأمره المطلق، وكان لحكام الأقاليم السيادة التامة فيها، عدا تأدية نصف الإيراد إلى وزير المالية (أمين الخزينة) وكان البغاء متفشيا تحصل منه الدولة إيرادا كبيرا. وكانت المبارزة شائعة في الطبقات العالية إلى أن ألغاها المسلمون.
ولما مرض كريشنا في آخر حياته، بدأ في مملكته الاضطراب، ثم مات في 1530، وقد خلفه ملكان ضعيفان وهما أخوه أشيوتا ثم ابن أخيه ساداشيفارايا، الذي انتهت في عهده مملكة فيجاياناجار في 1565.
ولقد اجتمعت قوات ممالك البيجابور والأحمد ناجار والجولكوتدا والبيدار في تاليكوتا، وهي بلدة صغيرة على حدود بيجاپور، على تدمير هذه المملكة الهندوسية الوحيدة، وكان يقود هذه القوات حسين نظام شاه الأول الذي كانت مملكته أحمد ناجار هدفا لقسوة الهندوس في أثناء غزوات البيجاپور وفيجاياناجار، وكان جيش المسلمين يمتاز عن الهندوس بالمران والنظام ومهارة الفرسان ورماة السهام الراكبين وتفوقهم الكاسح في المدفعية، إذ كان لديهم 600 مدفع يقودهم ذلك البطل المجرب القدير شلبي رومي خان الذي مارس الجندية في أوربا، وكان يواجه جيش الهندوس غير المنظم المؤلف من 82 ألف فارس و900 ألف من المشاة و2000 من الفيلة وبعض المدفعية، غير أن السلاح لم يكن كافيا. ويقول سيزار فردريك، الذي زار فيجاياناجار بعد سنتين: إن هزيمة الهندوس مع عظم عددهم، كانت مؤكدة وراجعة إلى وجود 140 ألف مسلم من المرتزقة مع الهندوس. وقد عبر الملك «حسين نظام» نهر الكيستنا بعد مناورة بديعة لم تكلفه خسارة ما، وفي 5 يناير 1565 حارب المسلمون في موقعة تاليكارتا منتصرين آسرين القائد الهندوسي ساداشيفارايا الذي فصلت رأسه عن جسمه ووضعت على رأس حربة، وكان من أثر رؤيتها أن ولت فلول الهندوس بعد قتل 100 ألف منهم، وقد استولى المسلمون على الأسلاب الثمينة ، مدمرين فيجاياناجار تدميرا تاما، فأضحت بلاد هذه المملكة الهندوسية العظيمة دويلات صغيرة، أشهرها مملكة مادورا.
وكان من أثر تتابع هجرة الجماعات الإسلامية من إيران وبلاد العرب، ودخول الهندوس أفواجا في الدين الإسلامي، وما تم من الزواج بين المهاجرين والمسلمين الجدد، أن زاد عدد المسلمين وقويت رابطتهم، وبرز سلطانهم. غير أن كثرة المسلمين كانت من الوطنيين الهنود الذين دانوا بالإسلام. أما احتفاظ الهندوس بكثرتهم العددية في الهند فإنما يرجع إلى أن الهنود قد ألفوا نظام الطبقات، فكان ما جاء به الإسلام من تقرير المساواة وإزالة الفوارق غريبا على تقاليد الهند. «راجع ص150 من الفصل الخامس من الجزء الأول من تاريخ الهند، تأليف سير جورج داناپار».
أما الآريون الصميمون، الذين وفدوا إلى الهند في بداية الأمر فلم تبق منهم إلا أقلية ضئيلة جدا، لبثت محتفظة بطابعها فلم تندمج في الشعب الدرافيدي، الذي بقيت حضارته وأفكاره حية في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة الهند، وقد وفق الآريون في إدماج الدرافيديين في الطبقات السفلى الهندية التي منها المنبوذون، ونسبتها بين السكان 30 في المائة من مجموع الهندوس.
الفصل الخامس عشر
Página desconocida