أما الطب فقد اقترن التقدم فيه بتقدم علم الفلك، وإن كان قد صاحبهما السحر.
الفلسفة وتطور فكرة الدين
هذا ومن أبرز ظواهر التقدم، تطور فكرة الدين والفلسفة، فقد لبث رئيس الأسرة ينهض بالطقوس المنزلية. أما تقديم القرابين الحيوانية والجسدية علانية فقد تطور إلى احتفال يشمل 16 أو 17 قسيسا ممتدا في بعض الحالات إلى عام أو أكثر متطورا إلى عقيدة تناسخ الأرواح، وذلك أن الإنسان يموت المرة بعد المرة في العالم الآخر.
الديانات الهندية وأثرها في الحكم
عاشت الديانات الثلاث: البرهمية، والجنيزية، والبوذية جنبا إلى جنب، غير أنه بينما كانت البرهمية تمثل النظام الموطد، وكان الإلهان سيفا وفيشنو في شكل كريشتا، كانت البوذية تطارد البرهمية ذات الطقوس المعقدة الدقيقة، فلم يعد القسيس البرهمي يؤدي خدمة دينية لها صبغة رسمية، وإن كان قسيس الملك معدودا من موظفي الدولة، وأصبحت مهمة القسيس التعليم، وبات يسكن صومعته في الغابة. على أن شخصه كان معفى من الضرائب والمصادرة والتعذيب - «راجع ص270 الفصل الثامن من الكتاب الخامس أرثا سسترا»، وهو الكتاب الوحيد أو الأدب الوحيد الذي عرف أمره عن عهد الملك شاندراجويتا وابنه بيندوسارا، ويقال إن شاندراجويتا قد نزل عن الملك بعد أن استولى على البلاد الهندية كلها شمالي ناربادا، وصارجينا، وخلفه ابنه بيندوسارا الذي أرسل ابنه آزوكا لقمع الثورة في تاكسيلا. وقد مات بيندوسارا حول 274ق.م . فانتقل الملك إلى أحد أولاده المائة، واسمه آزوكا، ومما حدث في عهده استيلاؤه على المملكة الدرافيدية في كالينجاس. ولما كان قد قتل 150 ألفا، وكان أضعافهم قد ذبحوا، فإن الرعب قد ملأ قلبه وبدل نظرته إلى الحياة، فانتقل من البرهمة إلى البوذية بعيد 262ق.م. سنة الحرب، وأعد نفسه كتلميذ في الرهبنة ودخل السنجا وأقام وهو في زيه الديني، برجا جريئا كما وصفه هو. وإن ما صنعه آزوكا أقرب شبها إلى ما فعله بعدئذ في القرن الثالث عشر الميلادي سانت لويس ملك فرنسا وسانت فرديناند ملك قشتالة وكاستيل محرر أسبانيا من سرقطة. ويقول الدكتور إن براسادا ص 8 و9 في كتابه «نظرية الحكومة في الهند القديمة»: إن في الحياة الاجتماعية في الهند تندمج السلطتان الروحية والزمنية؛ أي أن الكنيسة والدولة شيء واحد. سيداپورا جنوبا، ومن كاثيوارا غربا إلى كوثاك على ساحل أوريسا.
أما الآن فقد كان من ثمار غرس آزوكا لبذرة البوذية أن عمت سيلان وبورما وسيام وكامبوديا والصين وكوريا واليابان ومونغوليا والتيبت. على أن آزوكا، إلى تفانيه البوذي، كان متسامحا حيال الأديان الأخرى.
كان النظام الملكي في الهند هو أساس الحكم فيها على الرغم مما قيد به من ضرورة رضاء الجمعية الشعبية عنه كما ورد في الفيدا، وكانت أولى واجبات الملك أن يحمي رعاياه وأن يقيم العدل بينهم. ومنذ أصبح آزوكا بوذيا وفي العام السادس والعشرين من حكمه، أمسى الطعام نباتيا، مصدرا سلسلة من الأوامر المقيدة لذبح الحيوان والطيور وتشويهها، محرما صيد السمك مدة 56 يوما في السنة. وكان هذا مقدمة لتقديس الحيوان عند الهندوس، وكان عطوفا على المسنين والفقراء، مبدلا لأحكام الإعدام وغيرها من العقوبات، مقررا ثلاثة أيام للمحكوم عليهم بالموت لاستئناف الحكم أو لإعداد أنفسهم لهذه العقوبة.
وكان آزوكا يحكم بلاده الواسعة حكما مباشرا مركزه العاصمة باتاليبوترا. وكان له ولاة يتولون الحكم في تاكسيلا وأوجاينيا وكالينجا، وكان آزوكا بمثابة الرئيس الأعلى لمجموع من الدول والأقاليم يرجع إليه قبل غيره أمر إدارتها. وكان يسالم أفراد القبائل البدائية ويؤثر في نفوسهم عن طريق ذكر آلهتهم البرهمية. أما فيما يتصل بالحدود، فقد كانت قبائلها في الجنوب والشمال الغربي للإمبراطورية المورية، وكان يظفر بثقتها بإبدائه الرفق بها، وكانت سياسته ترمي إلى عدم التدخل في شئونها، هذه السياسة التي وردت فيما أعلنته حكومة الهند البريطانية بعد يومئذ بألفي سنة ومائتين في الغازيتة الهندية قائلة: «إن سياسة حكومة الهند لا تسمح بإدخال أية قيود من شأنها تعديل ما جرت عليه عادة هذه القبائل في حياتها، وإنما الهدف هو اكتساب ثقتها بإبداء العطف عليها». راجع «آزوكا» تأليف بانداركار ص361-366.
هذا ويبدو أن عهد آزوكا كان عهد سلام عميق عدا ما تخلله من حرب كالينجا، ومما يذكر عن هذا العهد أن آزوكا قد أقام مزارات بوذية خاصة ذلك العمود في حديقة لومبيني، حين قصد هو وأحد زوجاته الملكات الحج في المكان المشهور الذي ولد فيه بوذا، ولقد مات آزوكا حول 237ق.م. كما يؤخذ مما ورد في ص503 الجزء الأول من تاريخ الهند - كامب. أما دكتور ف. و. توماس، وفنسنت سميث فيجعلان وفاته في 231ق.م.
قدم الكتابة والأدب في الهند
Página desconocida