أما الكلور فهو من العناصر الكيمائية المعروفة، لونه أصفر ضارب إلى الخضرة، ورائحته خانقة كريهة. وهو في الأحوال الجوية المعتادة غاز كغيره من الغازات، ولكنه يعرض صناعيا بضغط مرتفع؛ فينقلب إلى سائل أقل حجما من الغاز، ويخزن بهذه الصفة في أسطوانات أو قنابل إذا فتحت صماماتها أو انفجرت تصاعدت منها في الجو أبخرة كثيفة من الكلور بشكله الغازي المعتاد.
وللكلور تأثير مهيج شديد، فيسبب حرقانا شديدا بالعينين والأنف والحلق، ويدخل في الجهاز التنفسي فيسبب التهابا في القصبة الهوائية وفروعها، بل في حويصلات الهواء في الرئة ذاتها؛ أي ينتج التهاب شعبي رئوي خطير سرعان ما يودي بحياة الإنسان.
ومن سخرية القدر أو العلم أن هذا الغاز الخانق القتال، الذي يستعمله الإنسان للفتك بعدوه الإنسان، قد أمكن من سبب تذليله لفائدة البشرية عامة؛ إذ إنه مطهر قوي لمياه الشرب. فكمية طفيفة منه لا تتجاوز جزءا من واحد في المليون تكفي لقتل الميكروبات الضارة في الماء؛ كالتيفود والكوليرا والدوسنطاريا وسواها، في وقت قصير. وربما لا يعلم الكثيرون أن سكان المدن في مصر وسواها من الممالك يشربون شيئا منه فيما يتناولونه من الماء، وأن أسطوانات الكلور وأجهزته تؤدي ليل نهار هذا الواجب الصحي العظيم في عمليات المياه بالقاهرة والجيزة وإسكندرية وسواها.
أما «الفوسجين» فهو «كلورور أوكسيد الكربون»، وهو في الأحوال الطبيعية غاز لا لون له، وإن يأخذ أحيانا شكل سحابة بيضاء اللون إذا كان الجو حوله رطبا. وإذا عرض هذا الغاز للتبريد فإنه يتحول كذلك إلى سائل، ويخزن كأخيه بهذه الصفة.
أما رائحته فمهيجه للصدر، بل إنه كذلك يهيج العين فتسيل دموعها. واستنشاقه يؤدي إلى التهاب حويصلات الرئة التهابا شديدا مع ارتشاح فيها أكثر مما يفعل الكلور، فتمتلئ الحويصلات بدلا من الهواء بالبلغم والسائل الناتج من التهابها، ويعوق ذلك وصول أوكسجين الهواء إلى الدم أي يربك وظيفة التنفس كلها؛ فيصير مستنشقه من الفناء قاب قوسين بل أدنى.
وعند حدوث إغارة حربية بأحد هذين الغازين يكون أول ما ينتاب الإنسان هو شعور باختناق، مع سعال شديد، قد يصحبه تهوع أو قيء، كما تتهيج العينان. فإذا لم يسرع المرء بالهرب إلى مكان مأمون أو إلى وضع الكمامة الواقية، واستمر مدة في استنشاق الهواء الملوث بهما، تلفت الرئتان أي تلف، فيصير التنفس عسيرا، مصحوبا بنوبات مؤلمة من السعال قد يبصق فيها المصاب سائلا غزيرا. ويتغير لون الإنسان لقلة وصول الأوكسجين إلى دمه، فإما يصير الوجه محتقنا أزرق، أو أصفر المحيا، باهت الأطراف، أبيض الشفتين والأذنين. وهذا اللون الأخير أكثر دلالة على استفحال الأمر وشدة الخطر على الحياة.
ولا تظهر هذه الأعراض الرئوية في الحال بل بعد مدة لا تتجاوز 12-24 ساعة من استنشاق الغاز الخانق. أما إذا مضت 24-48 ساعة بدون ظهورها أو اشتدادها كان للإنسان أن يحسب نفسه من عداد الناجين بجلدهم.
ويجدر أن نعلم أن قيام الإنسان بحركة أو عمل بعد استنشاق الفوسجين بصفة خاصة يجعل الأعراض أشد وأمضى أثرا؛ أي إن ذلك يقرب المسافة إلى القبر؛ ولذا يجب السكون والراحة يوما كاملا أو يومين بعد استنشاقهما. (2)
الغازات المهيجة للأنف:
يشمل هذا النوع عددا كبيرا من الغازات المركبة التي اخترعتها أدمغة جهابذة الكيمائيين؛ وهي غازات يدخل الزرنيخ في تركيبها، ومنها مثلا «ثاني فينيل كلور أرسين» يسمى
Página desconocida