الصِّفات، وقولُهم: إنَّ الصِّفاتِ ممكنةٌ والذاتُ علّة فيكونُ الشَّيءُ فاعلَهُ أو واجبَهُ، فيلزمُ تعدُّدُ الواجبِ؛ فإنَّ فسادَ هذا يُعلَمُ من وجوهٍ، لكِنَّ المقصودَ هنا أنَّ الصِّفاتِ القائمةَ بالموصوفِ ليسَتِ الذّاتُ علّةً فاعلةً لها، ولا صفة الموصوفِ اللّازمة لهُ تكونُ معلولةً (١) لهُ، ولا معلولًا لعلّةٍ فاعلةٍ، بَلْ إذا قيلَ: هيَ معلولةٌ بعِلّةٍ قابلةٍ، بمعنى أن لا بُدَّ لها مِنْ محلٍّ والذّاتُ محلُّها أمكنَ ذلكَ، فإذا قيلَ بوجُوبِها معَ الذَّاتِ لم يكُنْ لهم دليلٌ على نفيِها؛ إذْ قد بيَّنّا أنَّهُ لا حُجّةَ على نفي تعدُّدِ الواجب، فإنَّ الذَّاتَ لا بُدَّ لها مِنَ الصِّفات، والصِّفاتُ لا تقومُ إلَّا بَالذّات، فهذانِ متلازمانِ ليسَ أحدُهُما مفتقِرٌ إلى الآخر، والآخرُ مستغنٍ عنهُ حتَّى يُقال: إنَّ وجوبَهُ يُنافي ذلكَ، ونحنُ لا نَرضى هذا الرَّدَّ؛ فإنَّهُ قد يُقال: وصفُ الصِّفاتِ بالوجوبِ بالنَّفسِ ما دونَ الذّاتِ ممتنِع لأمرٍ آخرَ، وهوَ امتناعُ واجبَينِ كُلّ منهُما مفتقِرٌ إلى الآخر، فإنهُ إذا قيلَ: إنَّ الذّاتَ واجبة بنفسِها، والصِّفاتِ واجبة بنفسِها، وكُلٌّ منهُما متوقِّف على الآخر، كانَ توقُّفُ كُلٍّ منهُما على الآخرِ مانعًا مِنْ أنْ يكونَ وجوبُهُ بنفسِهِ فقَط، بَلْ بنفسِهِ وبذلكَ الآخر، فلهذا كانَ التَّحقيقُ أنْ يُقال: الواجبُ بذاتِهِ هوَ الذّاتُ الموصوفةُ بِالصِّفات، ولا يُوصَفُ أحدُهما بأنَّهُ واجبُ الوجودِ بنفسِه، مَع أنَّ في مسألةِ الذّاتِ والصِّفاتِ تحقيقًا ليسَ هذا موضعَه، فإنّا قد بيَّنّا في غيرِ هذا الموضعِ أنَّ تقديرَ ذاتٍ خاليةٍ عَنْ صفاتٍ أمرٌ ممتنِعٌ كتقديرِ وجودٍ مطلَقٍ لا يتعيَّنُ، وأنَّهُ ليسَ في الخارجِ ذاتٌ متميِّزةٌ عَنْ صفاتِها حتَّى يُقال: الصِّفاتُ زائدةٌ، ولكِنَّ الذِّهنَ يقدِّرُ ذلكَ، ثمَّ ينظرُ: هل يمكِنُ وجودُهُ في الخارجِ أو لا يمكِنُ؟ وذكرْنا أنَّ مَنْ قال مِنْ أهلِ
_________
(١) في المخطوط (مفعولة) ولعلَّ المثبت هو الصحيح.
1 / 65