منهما، وقل من خرج على دين سلطان إلا كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم من الخير، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، وإن كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، وهذا مما يبين أن ما أمر به ﷺ من الصبر على جور الأئمة هو الأصلح. فالشارع أمر كلا بما هو أصلح له وللمسلمين، فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم، وأمر بالصبر على استيثارهم، ومنازعتهم الأمر والفتن في كل زمان بحسب رجاله، والفتنة تمنع معرفة الحق وقصده والقدرة عليه، ففيهما من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس، ومن الشهوات ما يمنع قصد الحق، ومن قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير، ولهذا يقال: " فتنة عميا صما ".
(٧٤) لآله ﷺ على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم،
ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحق سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحق غيرهم من القبائل، كما أن جنس العرب يستحقون من ذلك ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم. على هذا دلت النصوص: تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد، كالقرن الأول على الثاني، والثاني على الثالث.
وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة، ومدح الله للمعين وكرامته عنده فهذا لا يؤثر فيه النسب، وهذا لا ينافي ما ذكرنا قبله، كما قال: "الناس معادن" ١ ... إلخ. فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة فالأول خير لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين، فإن تعطل ولم يخرج ذهبا كان ما يخرج الفضة أفضل منه، ولهذا كان في بني هاشم النبي ﷺ الذي لا يماثله أحد في قريش، وفي قريش الخلفاء وغيرهم ما لا نظير له في العرب، وفي العرب من السابقين الأولين ما لا نظير له
_________
١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٣٨٣)، ومسلم: الفضائل (٢٣٧٨)، وأحمد (٢/٢٥٧،٢/٢٦٠،٢/٣٩١،٢/٤٣١،٢/٤٣٨،٢/٤٨٥،٢/٤٩٨،٢/٥٢٤،٢/٥٣٩) .
1 / 51