ابن خزيمة وغيره.
الثالث: أن الكفار يرونه رؤية تعذيب كاللص إذا رأى السلطان، ثم يحتجب عنهم ليعظم عذابهم، وهذا مقتضى قول من فسر اللقاء في كتاب الله بالرؤية. ومن أقوى ما يتمسكون به ما روى مسلم عن أبي هريرة: "قال الناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكره. وفيه: فيلقى العبد فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ قال: لا. وفيه: ثم ينادي مناد: ألا تتبع كل أمة ما كانت تعبد" ١ فيقال: ظاهره أن الخلق كلهم يرونه، لكن قال ابن خزيمة: اللقاء هنا غير الترائي، وهؤلاء يقولون أخبر النبي ﷺ أن الكافر يلقى ربه فيوبخه، ثم تتبع كل أمة ما كانت تعبد، ثم يراه المؤمنون، يبينه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وفيه: "فيأتيهم في صورته التي يعرفون، وليس فيه الرؤية إلا بعد تتبع كل أمة" ٢ إلخ.
وفي حديث ابن مسعود الطويل: "أن المؤمنين يقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد"، ففيه أنهم لم يروه قبلها، والآخرون يقولون معناه لم نره في هؤلاء الآلهة التي يتبع الناس، ويدل عليه أن في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد: "فيأتيهم الجبار في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة" ٣ ففيه أنهم رأوه قبل ذلك، وهي الرؤية العامة.
وأبين من هذا كله أن الرؤية الأولى عامة كما في حديث أبي رزين: "فتنظرون إليه وينظر إليكم، فقلت: كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض؟ " ٤ إلخ. ففيه أنه لعموم الخلق كما دل عليه السياق. والرؤية متباينة تباينا عظيما لا يكاد ينضبط طرفاها، ولا يجوز إطلاق القول بأن الكفار يرونه من غير تقييد، لأن الرؤية قد صار يفهم منها الكرامة، ففي إطلاقها إيهام، وليس لأحد أن يطلق ما يوهم خلاف الحق إلا أن يكون مأثورا..
_________
١ مسلم: الزهد والرقائق (٢٩٦٨) .
٢ البخاري: التوحيد (٧٤٣٨)، ومسلم: الإيمان (١٨٢) .
٣ البخاري: التوحيد (٧٤٤٠)، ومسلم: الإيمان (١٨٢،١٨٣)، وأحمد (٢/٢٧٥) .
٤ أحمد (٤/١٣) .
1 / 21