يبين أن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة الإخلاص لم يكن شيء أحب إليه منه، فيصير القلب منيبا إلى الله خائفا منه، كما قال تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ ١.
وإذا أخلص العبد اجتباه ربه فأحيا قلبه، وجذبه إليه، بخلاف القلب الذي لم يخلص، فإن فيه طلبا وإرادة، تارة إلى الرياسة فترضيه الكلمة ولو كانت باطلا، وتغيظه الكلمة ولو كانت حقا، وتارة إلى الدرهم والدينار، وأمثال ذلك، فيتخذ إلهه هواه. ومن لم يكن مخلصا لله بحيث يكون أحب إليه مما سواه، (وإلا) استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين. وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه، فالقلب إن لم يكن حنيفا وإلا كان مشركا ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ ٢ الآيتين. وقد جعل الله آل إبراهيم أئمة للحنفاء، كما جعل آل فرعون أئمة للمشركين المتبعين أهواءهم.
(٢١) بعث الله محمدا ﷺ إلى ذوي أهواء متفرقة
وقلوب متشتتة، فألف الله به بين القلوب، وجمع به الشمل، ثم إنه سبحانه بين أن هذا الأصل وهو الجماعة عماد دينه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
_________
١ سورة ق آية: ٣٣.
٢ سورة الروم آية: ٣٠.
1 / 19