من يعلمه الشرائع، فهذا مؤمن من أهل الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قومه، وكامرأة فرعون، بل وكما كان يوسف مع أهل مصر، فإنهم كفار ولم يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان، فلم يجيبوه. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ ١ الآية. وكذلك النجاشي وهو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه، فصلى عليه النبي ﷺ وقال: "إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات" ٢. وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد، ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي الخمس، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه ولا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن.
والله قد فرض على نبيه ألا يحكم بينهم إلا بما أنزل الله، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله مثل الحكم في الزنى بالرجم، وفي الديات بالعدل، والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع، النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك، والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا، بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وعمر بن عبد العزيز عودي، وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل إنه سم على ذلك، فالنجاشي وأمثاله سعداء