المحبة استلزمت إرادة المحبوبات، فإن قدر عليها حصلها، وإن فعل المقدور عليه. فله كأجر الفاعل (كمن دعي إلى هدر) . وكقوله: "إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا إلا وهم معكم، حبسهم العذر" ١.
فإذا ترك المقدور من الجهاد دل على ضعف المحبة، ومعلوم أن المحبوبات لا تنال إلا باحتمال المكروهات، كما في أهل الرياسة والمال.
ومن المعلوم أن المؤمن أشد حبا لله. والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فمن أسلم لله ولغيره فمشرك، ومن لم يسلم فمستكبر. والكبر ينافي العبودية كما قال: "العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما عذبته". فهما من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة.. فلهذا جعلها كالرداء.
والشرك غالب على النصارى، والكبر غالب على اليهود.
وفي الصحيح: "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا" ٢. إلخ قاله قبل موته بأيام، وذلك من تمام رسالته، فإن فيه من تمام تحقيق مخالته لله التي أصلها محبة الله العبد، خلافا للجهمية. ومن ذلك تحقيق توصية الله ردا على أشباه المشركين، وفيه رد على من بخس الصديق حقه ٣ (وهم أضل) المنتسبين إلى القبلة، وهم شر البشر.
والحديث الذي فيه: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" ٤ إلخ. جعله بثلاثة أمور تكمل المحبة، وتفريغها، ودفع ضدها. وكره من كره من أهل
_________
١ مسلم: الإمارة (١٩١١)، وابن ماجه: الجهاد (٢٧٦٥)، وأحمد (٣/٣٤١) .
٢ مسلم: فضائل الصحابة (٢٣٨٣)، والترمذي: المناقب (٣٦٥٥)، وابن ماجه: المقدمة (٩٣)، وأحمد (١/٣٧٧،١/٣٨٩،١/٤٠٨،١/٤١٠،١/٤١٢،١/٤٣٣،١/٤٣٤،١/٤٣٧،١/٤٣٩،١/٤٥٥،١/٤٦٢) .
٣ كالرافضة ونحوهم الذين يقدمون عليا على أبي بكر وعمر.
٤ البخاري: الإيمان (١٦)، ومسلم: الإيمان (٤٣)، والترمذي: الإيمان (٢٦٢٤)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٨٧،٤٩٨٨،٤٩٨٩)، وابن ماجه: الفتن (٤٠٣٣)، وأحمد (٣/١٠٣،٣/١١٣،٣/١٧٢،٣/١٧٤،٣/٢٣٠،٣/٢٤٨،٣/٢٨٨) .
1 / 16