وأعلم يا أبا محمد حاطك الله إن هؤلاء القوم إنما أرادوا تعنيتنا، وأن يدروا ما عندنا من المعرفة باللغة، والذي نذهب إليه ونحبه في التفسير في أن تكون الحجة منا في التفسير بشواهد من كتاب الله عز وجل على كتاب الله، ولا بد مع بذلك من الاستشهاد للغة والشعر، ونحن بحول الله وقوته نجيبك في ذلك بجواب ما سألوا من اللغة والشعر، نتوخى فيه صوابا ونرجو من الله سدادا، ولا بد لنا أن ندخل في ذلك من شواهد الكتاب مالا بد منه، ولا يستغني عنه مما يبين الله سبحانه به لاحق ويزهق به الباطل، وترغم به أنف المخالفين بحوله وقوته، وإن كنت في وقتي هذا من الغم والهم بفراق الإمام صلوات الله لعيه فيما اقل منه أذهل العقل وشغل القلب، غير أني أرجو من الله سبحاه العون والتسديد لما يحبه من الرشاد، وإرغام الظالمين من أهل العناد والتمادي في الباطل والفساد، وقد أجبناك أتم الله نعمك في كل ما سألوا عنه من اللغة والشعر، فافهمه وقف عليه ثم أنفذه إليهم بحل الله وقوته.
بسم الله الرحمن الرحيم
1- سألت أكرمك الله عن قول الله سبحانه: { وكان وراءهم ملك يأخذ
كل سفينة غصبا } . وقلت: فما عليهم والملك قد صار ورائهم ونجوا منه، وإنما
كان الخوف يقع عليهم لو كان الملك قدامهم؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: هذا من أضداد الكلام الجائز في لغة العرب، وذلك أن العرب تسمي القدام وراء، ومن ذلك قول الله عز وجل: { ومن ورائه عذاب غليظ } . يقول بين يديه ولو كان العذب وراءهم كما ظننت لكانوا قد سلموا منه، والعرب تكلم بهذا وتكثر، قال لبيد بن ربيعة الكلابي:
ليس ورائي أن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحني عليها الأصابع
يريد أليس بين يدي الهرم والضعف والكبر، فصيره وراءه وهو بين يديه.
2- وسألت فقلت: وما يدخل على المساكين من عيب السفينة؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: إن الملك كان يأخذ كل سفينة جيدة لها قدر، فأراد العبد الصالح عليه السلام أن يعيبها حتى لا يرغب فيها الملك، فإذا جاوزه أصلحها.
3- وسألت عن معنى قوله: { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } ؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: فخشيناها هنا يخرج على فكرهنا، لأن الله عز وجل لا يخشى.
Página 4