وبعد، فإنّ من طرق التعليم النافعة طرح الأسئلة على أهل العلم للإجابة عنها عملا بقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]،
وقد ثبت في الصحيح (١) أنّ جبريل أتى النبي ﷺ، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأجابه النبي ﷺ عن ذلك، وقال في الأخير: "إنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم".
وقد دأب على هذا أهل العلم، فكان تلاميذهم حريصين على سؤال مشايخهم في مختلف أبواب العلم، وتدوين ذلك في كراريس لتحفظ فتاويهم، ويعمّ نفعها.
ومن هؤلاء الأعلام، شيخ الإسلام أحمد بن عليّ بن محمّد الكناني المصري الشافعي، الشهير بابن حجر العسقلاني، المتوفّى سنة ٨٥٢ هـ، فريد عصره، وإمام وقته، فقد كان قبلة يتوجّه إليه العلماء من كلّ الأمصار والأقطار، حتى ذاع صيته، واشتهر في الآفاق، وقد أذن له بالإفتاء بعض شيوخه كالحافظ العراقي والحافظ البلقيني وولده (٢)، ثمّ تولّى منصب الإفتاء بدار العدل سنة إحدى عشرة وثمانمائة (٨١١ هـ) (٣)، وقد وصف فتاويه تلميذه الحافظ السخاوي ﵀ فقال: "وأمّا فتاويه فإليها النهاية في الإيجاز، مع حصول الغرض، لا سيما المسائل التي لا نَقْلَ فيها، فإنّه كان من أحسن علماء عصره فيها تصرّفًا، لا يجارى فيها، ولا يمارى، يجرجها على
_________
(١) أخرجه مسلم (١) من حديث أبي هريرة ﵁، وأخرجه البخاري (٥٠) من حديث عمر ﵁ بنحوه.
(٢) انظر "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للحافظ السخاوي (١/ ٢٧١).
(٣) انظر المرجع السابق (٢/ ٦٠٠).
1 / 6