وشملنا الصمت حينا حتى قلت: أذلك ما أفسد حياتكما؟ - كلا، لقد توثبت للعمل الجدي من أول يوم، كرست وقتي وما أزال للترجمة والاقتباس، واستعنت على النشر ببعض الزملاء القدامى المنتشرين في الصحف والمجلات، غير أن أخلاقي تغيرت في سياق المحنة، ونشب نزاع متواصل بيني وبينها. - ولكن تلك أمورا طارئة يمكن معالجتها. - كان قد فسد الأمر. - خسارة فادحة وغير مقنعة. - إنها حمقاء، غير جديرة بالمحافظة عليها، لولا مصلحة ابني وبنتي.
وصمت لحظات ثم قال بنبرة اعتراف: ضربتها مرة وأنا فريسة لجنون الغضب فلم تغفرها لي. - يؤسفني ما صادفك من سوء حظ.
فقال بنبرة متجددة: إني أطالبك بقطع علاقتك بها.
فقلت وأنا لا أصدق بالنجاة: طبعا. - وأن تحاول إقناعها بالرجوع إلى بيتها. - سأبذل جهدي وفوقه.
فقال وهو يلوح بحركة قاطعة: حسبنا كلاما في هذا الموضوع البغيض.
تنفست من الأعماق. وجعل يتذكر عهدنا القديم. وذكر فيمن ذكر الدكتور إبراهيم عقل، وأستاذنا الدكتور ماهر عبد الكريم. قال: لقد انقطعت عن صالونه منذ سفري إلى باريس، ولكني زرته مرارا زيارات خاصة، وأفكر في الرجوع إلى اجتماعات الصالون.
وهز رأسه قائلا: لقد ضاعت أراضي أسرته في الإصلاح الزراعي، وباع قصر المنيرة وابتاع فيلا في مصر الجديدة، انتقل إليها صالونه العتيد. - أعرف ذلك فأنا من المترددين عليه بانتظام منذ عام 1930.
فراح ينوه بنشاطي وتقدمي ثم قال: إني أكدح بلا انقطاع للمحافظة على كرامتي. - أنت مثال طيب. - ولدي مشروعات ترجمة لا حصر لها .. كتب .. مسرحيات .. قصص سينمائية. - عظيم .. عظيم. - ولكن تلزمني عقود مع المؤسسات الثقافية. - اعرض ما لديك.
فسكت قليلا ثم قال: قيل لي إنه لا جدوى من العرض وحده؟
فتساءلت متبالها: ماذا تعني؟ - قيل إن الوصول قد يقتضي مالا ولا مال لدي! - لا تصدق جميع ما يقال! - أو أن أكتب مقالات نقدية تقديرا للبارزين في المؤسسات. - قلت لا تصدق. - أنا على استعداد لتقرير أن أي بغل فيهم أعظم من أحمد شوقي، ولكن المتنافسين في التقدير لم يدعوا مجالا لشخص مثلي، لم يعرف كناقد من قبل! .. وفضلا عن ذلك فلست إذاعيا ولا تلفزيونيا؛ لأدعوهم إلى برامج أو أعرض أعمالهم، فلم يبق أمامي إلا الطريق الطبيعي، وهو كما تعلم غير طبيعي.
Página desconocida