فقالت بامتعاض: لم تكن حياة موفقة، ولا يوما واحدا. - عجيبة. - علمني كيف أمقته، ولم أحبه من قبل. - ولم قبلت الزواج منه؟ - زوجت إليه، وأنا بنت ستة عشر، أبعد ما تكون عن النضج وبلا وزن لرأيي. - زيجات سعيدة كثيرة بدأت كذلك. - إنه أناني نذل متوحش.
لم تشأ أن تنتقل من العموميات إلى التفاصيل ففتر اهتمامي بالموضوع، وبخاصة وأنه أصبح من ذكريات ماض بدا أنه ذهب إلى غير رجعة، حتى الفن نفسه تراجع إلى الهامش وذاب في الظلام. وبحركة غير متوقعة تسللت يدها البضة فاستقرت فوق يدي على طرف المائدة: إني في حاجة إلى إنسان أطمئن إليه.
ورغم احتمال المبالغات بل والأكاذيب فإني شعرت نحوها بعطف ورثاء. ومع ذلك سألتها مداعبا: يهمك الفن لهذا الحد؟
فقالت ضاحكة: الفن والحياة!
ولكننا نسينا الفن والتاريخ ونحن نتجول في صحراء الهرم. تركزت همومنا في الواقع المعاصر، واقع البيت بالذات، وخالتها بصفة خاصة، سنها الطاعنة، ونومها الثقيل، وحواسها الضعيفة. - إلا إذا أردت أن نلتقي في بيت آخر!
وباندماجي في المؤامرة تدفق طوفان الرغبة في دمي فقلت: ليكن اليوم.
ولكنها قالت بسرور وبلا مكر: أمهلني حتى أهيئ الجو.
وعندما جمعتنا الحجرة هفت على حواسي أخلاط روائح مركزة من العطر والبرفان، والخمر، تسبح في أمواج نور أحمر خافت، فردتني إلى ذكريات بعيدة ما كنت أتصور أنها ستعود، وجدتني مرة أخرى موثقا بالحرير، مذعنا لرغبة سكري بيقظة مباغتة، وبلا حب بالمعنى الحقيقي. أما أماني فكانت متفانية في المودة ، اهتدت إلى مرفأ بعد تخبط في ليل بهيم، لهفة بلا حدود على الحب والحنان يزفرها قلب محروم من الحب والأمومة والثقة. وجعلت تصارحني بخباياها في لقاءاتنا المتتالية: حالتي المالية حسنة، ليس لدي ما أشكوه من هذه الناحية.
أو تقول: ربنا يسامح بابا ويرحمه، كان السبب.
أو تقول: لا أمان لشبان هذه الأيام، ربنا يحفظ بنتي.
Página desconocida