فغمز جعفر بعينه وقال ضاحكا: ولكن التأثير في النساء ذو مغزى آخر!
ثم قال بإيمان: الحق أن جمال الرجل يؤهله لدور الفتى الأول في أفلامنا!
فرددت قول الفرزدق الذي كان يذكرني دائما بوجه أستاذنا:
يغضي حياء ويغضى من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم
وقلت لجعفر: ما أتصوره أبدا متخليا عن وقاره، فإذا كان الوقار لباسا لغيره فهو منه بمثابة اللحم والعظم.
والحق أنه لم يؤخذ عليه طوال حياته ما يمس السمعة أو السلوك. وعند هذه النقطة أرى لزاما علي أن أعرض لشائعة اقتحمته في فترة القلاقل التي اتسمت بالاغتيالات السياسية في أعقاب الحرب العظمى الثانية. قيل إنه رفع خطابا سريا إلى الملك فاروق يحذر من مغبة التمرد الذي يجتاح الشباب، مفصلا أسبابه وبواعثه ومقترحا العلاج له. سمعنا ذلك فيما نسمع من شائعات في المقاهي، وحتى اليوم لم أتأكد من صدق الشائعة، وكل ما قيل عنها كان ضربا من التخمين، ونتيجة للأهواء السياسية المتنازعة، فقال وفديون إنه اقترح على الملك حل الأحزاب وإقامة ديكتاتورية صالحة تعجل بالإصلاح وتربي الشباب تربية دينية علمية، وقال المتطرفون من تلاميذ سالم جبر إنها دعوة لثورة مضادة يراد بها تفادي الثورة الحقيقية، أما أنا فساءتني الرسالة - مهما كان مضمونها - باعتبارها انتهاكا لحرية الدستور واستهتارا بسلطة الشعب، ووجدتني في حرج شديد بين إجلالي لأستاذي وبين موقفي السياسي الواضح، ووجدت حرجا أكثر من مفاتحته بالموضوع، غير أن جعفر خليل وجد الجرأة لمفاتحته! حدث ذلك عندما زرنا الأستاذ معا ليودعه جعفر خليل قبل سفره إلى الولايات المتحدة، وعند ذاك أخبره صديقي المرحوم بما يشاع وبما يقال، وأنصت الدكتور في هدوء وابتسام، ثم سأله: صدقت ما يشاع وما يقال؟
فتراجع جعفر خليل قائلا: كلا.
فاكتفى الأستاذ بقوله: عظيم!
ويدعوني ذلك إلى تذكر رأي رجلين فيه، أحدهما صديق له قديم هو الأستاذ سالم جبر، والآخر مريد من مريديه هو الأستاذ عباس فوزي، أما سالم جبر فكان يحبه ويعجب به، ولكنه يرى أنه من طبقة النبلاء لم يعرف الفقر ويرى الشعب من فوق وله رؤيته الخاصة، وهي رغم جاذبيتها ونقائها غريبة عنا كأنها لغة كوكب آخر.
Página desconocida