ولما حم الافتراق شدت على يدي وهي تقول: نحن أمل المستقبل الحقيقي!
وبعد سنوات من تعارفنا اعتقل زوجها فيمن اعتقل من الشيوعيين، فحزنت حزنا عميقا شاملا، ونهضت بعبء الأسرة والابنين رغم اضطراب بطنها بجنين جديد. وتوارت عن الصالونات والمعارض، ولم نجد وسيلة للاطمئنان عليها إلا التليفون. وسألت يوسف بدران عنها فقال لي: علمي علمك.
فسألته بدهشة: ألا تتقابلان كالعادة؟ - قطعت العلاقة مذ اعتقل الرجل. - حقا؟ - إنها غريبة الأطوار، ولكني غير آسف.
انقطعت عنها فلم أعد أتذكرها إلا لمناسبة. وزرتها بعد ذلك بسنوات - بعد الإفراج عن زوجها - للتهنئة. كان ابناها طالبين في الجامعة، وكانت ابنتها في السادسة. ودب النشاط في حياتها مرة أخرى، ولكنها لم تصل ما انقطع من أسبابها بيوسف بدران الذي تزوج في تلك الفترة من مهاجرة فلسطينية مثقفة. ويوما كنت ويوسف في زيارة للجبهة الشرقية ضمن مجموعة من المواطنين، وجاء ذكر عزيزة فسألني: أرأيت ابنتها الصغيرة؟
فقلت: نعم، وهي جميلة جدا!
فهمس في أذني بهدوء: إنها ابنتي!
فقلت بذهول: كلا! - هي الحقيقة!
ثم قال: حاولت إقناع عزيزة بإجهاض نفسها ولكنها رفضت. - متى كان ذلك؟ - في الأيام السابقة مباشرة لاعتقال الرجل. - ولم رفضت ؟
فصمت قليلا ثم قال: قالت لي لقد أحببتك حبا لم أحبه أحدا من قبل وسأحتفظ بثمرته! - رغم أنها قاطعت الدنيا عقب اعتقاله! - وزوجها هل يعلم؟ - لا أدري.
وتفكرت قليلا ثم قلت: الحق أن البنت تشبهك! - أجل، ولذلك أحرص على تجنب رؤيتها!
Página desconocida