ومضى أمر قريش على هذا النحو إلى آخر العصر الجاهلي. وكأنها أحست قبيل البعثة أن هذا النظام لا يكفل العدل الشامل الذي يطمئن إليه الأقوياء والضعفاء جميعا، وإنما يكفل العدل بين السادة وأنصاف السادة، ويخلي بين هؤلاء وبين شيء من الظلم يقع على الضعفاء من الحلفاء وممن أووا إلى مكة ليقيموا فيها إقامة تقصر أو تطول.
ومن أجل هذا اجتمعت طائفة من خيار هؤلاء السادة وأقويائهم، وتحالف أعضاؤها على أن يرفعوا الظلم ويقوموا دون المظلوم حتى ينتصف من الظالم ودون الضعيف حتى يأخذ حقه من القوي. وهذا الحلف هو المعروف بحلف الفضول الذي شارك فيه النبي
صلى الله عليه وسلم
فيمن شارك فيه من بني هاشم قبل البعثة. وقد ذكر النبي بعد ذلك هذا الحلف وأثنى عليه.
6
وكانت ثقيف تعيش نحو هذه العيشة في الطائف إلا أن أمرها لم يكن كأمر قريش على الحج والتجارة؛ فلم يكن إلى الطائف حج لمكان الكعبة من مكة.
وكانت ثقيف قد رزقت شيئا من الخصب فاصطنعت الزراعة وزراعة الفاكهة خاصة، واعتمدت - أو كادت تعتمد - في تجارتها على قريش؛ فكانت قريش تشتري عروض الطائف وتنشرها فيما تنشر من تجارتها، وربما أسهم بعض الأغنياء من ثقيف بأموالهم في تجارة قريش، فكانوا كغيرهم من أهل مكة في ذلك.
على أن شيئا من حسن الصلة كان قائما بين قريش وثقيف، فكان بينهم الصهر من جهة، وربما اشترى بعض الأغنياء من قريش أرضا بالطائف واغترس فيها الحدائق والكروم، وربما اتخذ بعض الأغنياء من قريش لأنفسهم دورا في الطائف يفزعون إليها من مكة؛ بحيث نستطيع أن نقطع بأن قريشا وثقيفا كان بينهما شيء يشبه الحلف ويقوم على المصالح المشتركة في الزراعة والتجارة جميعا.
ولم تكن ثقيف - على قوتها في الجاهلية - تمتاز بمثل ما كانت تمتاز به قريش من ذكاء القلوب ونفاذ البصيرة، وإنما كانت ثقيف تمتاز بشيء من القوة والمنعة، وتمتاز بالمكر والدهاء وحسن المداورة والبراعة في الكيد للخصم أو العدو.
7
Página desconocida