صلى الله عليه وسلم : «قوموا عني.» قالوا: فكان ابن عباس يرى أن الرزية كل الرزية أنهم لم يخلوا بين رسول الله وبين ما أراد.
وأكاد أقطع بأن هذا الحديث - مهما يكن سنده - غير صحيح، فما كان للمسلمين أن يخالفوا عن أمر رسول الله. وما كان لرسول الله نفسه أن يخلي بينهم وبين هذا الخلاف وهو الذي لبث فيهم ثلاثة وعشرين عاما يتلو عليهم القرآن ويعلمهم شرائع الدين ويأمرهم وينهاهم وينبئهم بخبر السماء. وأكبر الظن أن هذا الحديث وضع بأخرة حين تفرق المسلمون شيعا وأحزابا.
20
ومهما يكن من شيء فقد تمت بيعة أبي بكر وصحت وإن كان المسلمون لم يتشاورا فيها حتى كان عمر رحمه الله يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها.
ولكن أبا بكر واجه خلافا كاد شره أن يستطير ويصبح خطرا على الإسلام نفسه لولا أن الله عز وجل تأذن أنه هو الذي نزل الذكر وأنه حافظ له، فقال في سورة الحجر:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، ولولا أن أبا بكر قد ثبت لهذا الخلاف أروع الثبات وصمم على حسمه تصميما أذعن له المهاجرون والأنصار ومسلمة الفتح من قريش؛ فقد انتقض العرب على أبي بكر انتقاضا مختلفا. قال كثير منهم: نقيم الصلاة ولا نؤتي الزكاة. رأوا أن الزكاة نوع من الإتاوة ولم يتعودوه بل كانوا يأنفون منه أشد الأنفة ويرون أنه ضرب من الذلة والخضوع، ولم يقبل منهم أبو بكر ذلك بل صمم على أن يؤدي الناس إليه ما كانوا يؤدونه لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقال: إن هؤلاء يفرقون بين الصلاة والزكاة مع أن الله لم يفرق بينهما بل ذكرهما معا في القرآن مرات كثيرة. فهم يؤمنون ببعض القرآن ويكفرون ببعضه، وكان عمر قد قال له: كيف تقاتل العرب وهم يقولون «لا إله إلا الله»، فقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.»
كأن أبا بكر أراد أن قول لا إله إلا الله بطرف اللسان ليس إيمانا ولا إسلاما، وإنما يجب أن تقال باللسان ترجمة عما في القلب من الإيمان بالله والتصديق للنبي والائتمار بما أمر الله ورسوله به، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، وقد أمر الله رسوله بإيتاء الزكاة؛ فالنكول عن أدائها كفر والالتواء بها جحود، وليس للكفار الجاحدين إلا القتال.
وقوم آخرون من العرب ظهر فيهم كذابون زعموا لأنفسهم النبوة وتلوا على قومهم كلاما زعموا أنه وحي من الله.
Página desconocida