ومعجزة لأنهم لو أقروا بكونه معجزة لاستحال أن يقولوا ذلك- ثم أجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: كذلك أي مثل ذلك القول الشنيع الصادر عن العناد قال الذين من قبلهم أي من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم مثل قولهم في التشديد وطلب الآيات فقالوا:
أرنا الله جهرة [النساء: 153] وقالوا: لن نصبر على طعام واحد [البقرة: 61] وقالوا: اجعل لنا إلها [الأعراف: 138] وقالوا: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء [المائدة: 112] . تشابهت قلوبهم أي توافقت قلوبهم مع آبائهم واستوت كلمتهم في الكفر والعناد قد بينا الآيات أي نزلناها بينة لقوم يوقنون (118) أي يطلبون اليقين. وحاصل هذا الجواب من الله تعالى أنا قد أيدنا قول محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات وبينا صحة قوله بالآيات وهي القرآن وسائر المعجزات فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنت وإذا كان كذلك لم يجب إجابتها. إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا أي إنا أرسلناك ملتبسا بالقرآن والدين لتكون مبشرا لمن اتبعك واهتدى بدينك، ومنذرا لمن كفر بك وضل عن دينك، أو المعنى إنا أرسلناك صادقا حال كونك بشيرا لمن صدقك بالثواب، ونذيرا لمن كذبك بالعذاب ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (119) .
قرأ الجمهور برفع التاء واللام على الخبر أي ولست بمسؤول عنهم ما لهم لم يؤمنوا بما أنزل عليك بعد ما بلغت ما أرسلت به . وقرأ نافع بالجزم وفتح التاء على النهي أي لا تسأل عن حال كفار أهل الكتاب التي تكون لهم في القيامة ولا يمكنك في هذه الدار الاطلاع عليها وذلك إعلام بكمال شدة عقوبة الكفار فلا يستطيع السامع أن يسمع خبرها ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم أي لن ترضى عنك يهود المدينة ولو خليتهم وشأنهم حتى تتبع دينهم وقبلتهم، ولن ترضى عنك نصارى نجران ولو تركتهم ودينهم حتى تتبع ملتهم وقبلتهم قل إن هدى الله هو الهدى أي قل لهم يا أشرف الخلق ردا لقولهم لك لن ترضى عنك حتى تتبع ديننا إن دين الله هو الإسلام، وإن قبلة الله هي الكعبة ولئن اتبعت على سبيل التقدير أو المراد من هذا الخطاب أمته صلى الله عليه وسلم أهواءهم أي أقوالهم التي هي أهواء النفس وهي المعبر عنها أولا بقوله تعالى:
ملتهم إذ هم الذين ينتسبون إليها. أما الشريعة الحقيقية من الله فقد غيروها تغييرا، أي والله لئن اتبعت ملتهم وقبلتهم بعد الذي جاءك من العلم أي من الدين المعلوم صحته في أن دين الله هو الإسلام وقبلة الله هي الكعبة ما لك من الله أي من عذاب الله من ولي أي قريب ينفعك ولا نصير (120) يمنعك منه.
الذين آتيناهم الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وبحيرا الراهب، وأصحابه والنجاشي وأصحابه يتلونه حق تلاوته أي يقرءونه كما أنزل لا يغيرونه ولا يبدلون ما فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتدبرون في معانيه ويخضعون عند تلاوته ويبينون أمره ونهيه لمن سألهم أولئك يؤمنون به أي بكتابهم، وبمتشابهه ويتوقفون فيما أشكل عليهم منه ويفوضونه
Página 42