143

Marah Labid

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Investigador

محمد أمين الصناوي

Editorial

دار الكتب العلمية - بيروت

Número de edición

الأولى - 1417 هـ

Géneros

Exégesis

تفعلوا معاشر المؤمنين من خير فلن تمنعوا ثوابه وجزاءه بل تجاوزوا عليه والله عليم بالمتقين (115) وهذا بشارة لهم بجزيل الثواب ودلالة على أنه لا يفوز عنده تعالى إلا أهل التقوى إن الذين كفروا لن تغني عنهم أي لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله أي من عذابه شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (116) إنما خص الله تعالى الأموال والأولاد بالذكر لأن أنفع الجمادات هو الأموال، وأنفع الحيوانات هو الولد. ثم بين تعالى أن الكافر لا ينتفع بهما ألبتة في الآخرة، وذلك يدل على عدم انتفاعه بسائر الأشياء بطريق الأولى. إن الذين اشتروا أي الكفار في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أي برد مهلك أو حر محرق أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فأهلكته.

والمعنى مثل الكفر في إهلاك ما ينفقون كمثل الريح المهلكة للزرع، أو مثل الكافر الذي أنفق أمواله في الخيرات- نحو بناء الرباطات والقناطر والإحسان إلى الضعفاء والأيتام والأرامل- وكان ذلك المنفق يرجو من ذلك الإنفاق خيرا كثيرا، فإذا قدم الآخرة رأى كفره مبطلا لآثار الخيرات فكان كمن زرع زرعا وتوقع منه نفعا كثيرا فأصابته ريح، فأحرقته، فلا يبقى إلا الحزن والأسف، هذا إذا أنفقوا الأموال في وجوه الخيرات. أما إذا أنفقوها فيما ظنوه أنه من الخيرات وهو من المعاصي- مثل إنفاق الأموال في إيذاء رسول الله، وفي قتل المسلمين وتخريب ديارهم- فهو أشد تأثيرا في إبطال آثار أعمال البر وما ظلمهم الله حيث لم يقبل نفقاتهم ولكن أنفسهم يظلمون (117) حيث أتوا بالنفقات مقرونة بالوجوه المانعة من كونها مقبولة لله. يا أيها الذين آمنوا نزلت هذه الآية في شأن رجال من المؤمنين يشاورون اليهود في أمورهم لما كان بينهم من الرضاع والحلف ظنا منهم أنهم ينصحون لهم في أسباب المعاش، فنهاهم الله تعالى بهذه الآية عنه- كما قاله ابن عباس- أو في رجال من المؤمنين كانوا يغترون بظاهر أقوال المنافقين فيفشون إليهم الأسرار ويطلعونهم على الأحوال فالله تعالى منعهم عن ذلك- كما قاله مجاهد- وقال الله تعالى: لا تتخذوا بطانة أي خاصة تباطنون في الأمور من دونكم أي من غير أهل ملتكم من الكفار والمنافقين لا يألونكم خبالا أي لا يتركون جهدهم في مضرتكم وفسادكم ودوا ما عنتم أي أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر أي فإن الكفار لا يقصرون لكم في إفساد دينكم فإن عجزوا عنه أحبوا بقلوبهم إلقاءكم في أشد أنواع الضرر. قد بدت البغضاء من أفواههم أي قد ظهرت البغضاء في كلامهم بالطعن وغيره مما يدل على نفاقهم وبأنهم يظهرون تكذيب نبيكم وكتابكم وينسبونكم إلى الجهل والحمق وما تخفي صدورهم من الحقد أكبر مما يظهر على ألسنتهم. قد بينا لكم الآيات أي علامة الحسد والعداوة إن كنتم تعقلون (118) الفرق بين ما يستحقه العدو والولي ها أنتم أولاء أي أنبهكم أنتم يا معشر المؤمنين المخطئين في موالاتهم تحبونهم بسبب ما بينكم وبينهم من الرضاعة والمصاهرة، وبسبب أنهم أظهروا لكم الإيمان

Página 148