وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله، وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر، وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رءوس، اسم الواحد فيشون، وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد، هناك المقل وحجر الجزع، واسم النهر الثاني جيحون، وهو المحيط بجميع أرض كوش، واسم النهر الثالث حداقل، وهو الجاري شرق آشور، والنهر الرابع الفرات، وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت، وقال الرب الإله: ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينا نظيره، وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية هو اسمها، فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية، وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره، فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة ... لأنها من امرئ أخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا، وكان كلاهما عريانا، آدم وامرأته وهما لا يخجلان.
وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة: أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، فانفتحت أعينهما، وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر.
وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت، فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت، فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا، ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلى تراب تعود.
ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي، وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما. وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار عارفا ... الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها، فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.»
هذه هي القصة الدينية لميلاد حواء وبدء الخليقة، وهذا هو الدور الذي لعبته المرأة في بدء ميلادها، مما يستخلص منه أن المرأة هي سبب نكبة آدم، وهي التي حرمته جنة عدن حيث أراد الله له دوام الإقامة، كما هي بالتالي سبب نكبتنا أجمعين، ففرضت علينا الإقامة في الأرض حيث التعب والشقاء، وحيث الجهاد والكد والكفاح.
أما القصة الأخرى، فهي فضلا عن كونها قصة خرافية، لا تمت إلى أي دين من الأديان المعروفة لنا اليوم بأية صلة، ولا سيما الأديان السماوية، إلا أنها كانت تدخل ضمن عقيدة قدامى الأغارقة في الزمان الحالي، وتحتل في ديانتهم الإلحادية نفس المكانة التي تحتلها قصة بدء الخليقة في عقيدتنا الدينية اليوم.
والعجب العجاب، أن قصة بدء الخليقة وميلاد المرأة الأولى كما وردت على لسان الإغريق، وكما ابتكرها هؤلاء القدامى، تتفق مع القصة الدينية في نسبة نكبة البشر إلى المرأة بالذات، فكما أن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة، كذلك المرأة في الأسطورة الإغريقية، هي التي ملأت الدنيا بجميع الشرور والآثام، والأحزان والآلام، والأمراض والسقام، فلم تقتصر نكبتها على فرد بالذات، بل عمت الجميع في سائر أنحاء المسكونة، وهذا أيضا ما ترمي إليه القصة الدينية، فما آدم إلا أبونا كلنا، وما حواء إلا أمنا أجمعين، وليس أمامنا إلا أن نذوق نفس العقاب الذي أنزله الرب الإله بآدم وحواء، جزاء وفاقا على فعلتهما النكراء ومخالفتهما أمر الله سبحانه وتعالى.
ولا يخفى على القارئ أن شعوب العصور الأولى، كانوا يذكرون قصة ميلاد المرأة عند بدء الخليقة، كل على طريقته الخاصة، ومع ذلك فالقصة الإغريقية بنوع خاص، تمتاز بحسن السبك والمنطق، وهي أقرب إلى التفكير البشري السليم منها إلى أي قصة أخرى من قصص الشعوب الأولى.
وإليك أسطورة بدء الخليقة، وقصة ميلاد المرأة الأولى، كما وردتا على ألسنة شعراء وكتاب قدامى الأغارقة: «قبل أن تخلق الأرض والبحر والسماء، كانت جميع الأشياء مكسوة برداء واحد يسمى «هيولى»، وهي كتلة عديمة الشكل والهيكل، يمكن تصويرها بثقل لا حركة فيه، ترقد فيه بذور الأشياء.
وكانت الأرض والبحر والهواء في مزيج تام، ولذلك لم تكن الأرض صلبة، ولا البحر سائلا، ولا الهواء شفافا، ثم تدخلت الطبيعة وتدخل الله أيضا، فوضعا حدا لهذه الفوضى، بأن فصل الأرض عن البحر، والسماء عنهما، ولما كان الجزء الناري أخف الأجزاء جميعا، فقد ارتفع إلى أعلى مكونا السماوات، واحتل الهواء الطبقة الثانية، لأنه كان أثقل قليلا، أما الأرض فهبطت إلى أسفل، لأنها كانت أثقل الجميع، واحتلت المياه أسفل الطبقات فطفت بذلك الأرض وسط الماء.
Página desconocida