الدين ؛ حيث إنها فرقت بين دعوة الحق والباطل ، وميزت أحد الفريقين عن الآخر حتى قيل : إن الإسلام بدؤه محمدي وبقاءه حسيني ؛ ولذلك لم يجد أئمة الهدى وسيلة لنشر أمرهم في الإصلاح ، ونفوذ كلمتهم في إحياء شرع جدهم الأقدس (ص) إلا لفت الأنظار إلى هذه النهضة الكريمة ، لما اشتملت عليه من فجائع تفطر الصخر الأصم ، ويشيب لها فود الطفل ، ويذوب الفؤاد. فطفقوا (عليهم السلام) يحثون الامة على تأييدها ، والقيام بذكر ما لاقاه شهيد الإصلاح من القسوة والإضطهاد ، وإعلام الامة بما حدث في تلكم المشاهد الدموية من مظلومية الحسين وأهله وذويه (ع)؛ لأنهم صلوات الله عليهم علموا أن في إظهار مظلوميته مجلبة للعواطف ، واسترقاقا للأفئدة. فبطبع الحال ، يتحرى السامع لتلكم الفجائع الوقوف على مكانة هذا المضطهد ، وأسباب ما ارتكب منه من أعمال قاسية.
وطبعا يعلم أن سبط النبوة إمام عدل لم يرضخ للدنايا ، ولم يصخ إلى دعوة المبطلين ، وأن إمامته موروثة له من جده (ص) وأبيه (الوصي) (ع)، وأن من ناواه لا يملك من منصة الخلافة موضع قدمه ، وكذا كل من حذا حذوه وذهب على شاكلته.
وإذا عرف السامع هذا ، وعلم أن الحق كله في جانب الحسين ومن خلفه من أئمة الدين (عليهم السلام)، لم تدع له عقليته إلا السير معهم ، واعتناق طريقتهم المثلى ؛ وبذلك تتوطد اسس السلام والوئام.
لقد أقعدت السلطة الغاشمة من بني امية وبني العباس أهل البيت (عليهم السلام) في دورهم ، وأوصدت عليهم أبواب الإجتماع بشيعتهم ، فلاقوا منهم ضروب الأذى والتنكيل ؛ فآثروا العزلة على الخروج بالسيف في وجه دعاة الباطل ، مع ما يشاهدونه من تمادي اولئك في الطغيان ، وظلم شيعة أمير المؤمنين (ع) وأبنائه ، وتتبعهم تحت كل حجر ومدر ، وإبادتهم العلويين من جديد الأرض. وكان بمرأى منهم بناء المنصور والرشيد الإسطوانات على ذرية فاطمة (عليها السلام)، ظلما وعدوانا (1).
ولكن لم يفتهم الجهاد الأكبر بتحريض شيعتهم على عقد المحافل (2) لذكر
Página 95