كثير، وكان موته في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودُفن من الغد بمدرسته التي أنشأها بعد أن صلَّى عليه المناوي بالأزهر، وعظم الأسف على فقده، ولم يخلف بعد في مجموعه مثله.
ثناء الناس عليه بالنثر:
جاء هذا الثناء في مقدمة كتابه: "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري"، فمن حقق الكتاب قديمًا يقول (١): "هو الإمام العلامة الكبير، الحافظ البارع بلا نكير، شيخ حفاظ عصره، المشهور له بالتبريزي في دهره، الفقيه الناقد الورع المعمر، عالم البلاد المصرية، ومؤرخها الأكبر، قاضي القضاة وشيخ الإسلام، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى الحلبي الأصل، العنيتابي المولد والمنشأ، ثم القاهري الدار والوفاة، المعروف بالبدر العيني، إمام عصره في المعقول والمنقول، ووحيد دهره في الفروع والأصول، امتاز بين العلماء الذين وقفوا لكثرة التأليف، بسعة العلم، وجودة البحث، وحسن الترصيف، حتى ملأ خزائن العلم في العالم بمصنفاته الجليلة في الحديث، والفقه، والتاريخ، والعربية، وغيرها، تناقلها العلماء عصرًا بعد عصر، وتشهد لمؤلفها الجليل بالبراعة والفخر.
ولا تزال آثاره الكثيرة ومؤلفاته المبسوطة زخزا خالدًا ونورًا ثاقبًا تتداولها أيدي رواد التحقيق من العلماء ليسجلوا بأنوارها عن وجوه أبحاثهم الظلماء ولا غرو؛ (ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر).
ويذكر الباحث الذي صنع رسالة في كتاب فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد فيقول في خاتمة بحثه (٢): "أفصحت الدراسة عن نتائج كثيرة؛ منها:
أن العيني كان إمامًا في اللغة والفقه والتاريخ وغير ذلك من العلوم، كان عمدة المؤرخين، عالمًا بالصرف والعربية، حافظًا للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركا في كل الفنون.
أن العيني تتلمذ على يد علماء كثيرين من أكابر علماء عصره، وفي هذا تكوين لشخصيته العلمية، وأنها تميزت بسعة الثقافة وشمول المعلومات؛ كما أنه لم يأخذ حقه من الترجمة ممن
_________
(١) مقدمة عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (١/ ٢) ط. دار الفكر.
(٢) انظر (٤٤٥) من الرسالة المذكورة "اعتراضات العيني على النحاة"، د. سيد أبو المعاطي.
1 / 21