مقامة الكتاب
{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين }
أعز مكان في الدنى سرج سابح
أنيس إذا جالسته طاب قوله
وخير جليس في الزمان كتاب
وليس له عند الفراق عتاب
عليك بالكتاب ، فإنه خير الأصحاب ، وهو روح المؤانسة ، وقوت المجالسة ، أقسم الله بالكتاب المسطور ، في رق منشور ، لأن الكتاب كنز الإفادة ، وعنوان السعادة ، وهو أمين لا يخون ، وعزيز لا يهون ، إن حملته في النادي شرفك ، وإن جهلت أحدا عرفك ، يقوي جنانك ، ويبسط لسانك ، بالكتاب يجلس الصعلوك ، على كراسي الملوك، يقوم الزلل ، ويسد الخلل ، ويطرد الملل ، ويشافي العلل ، يحفظ الأخبار، ويروي الأشعار ، ويكتم الأسرار ، ويبهج الأبرار ، وهو أشرف لك من المال ، وأطوع لك من الرجال ، وأنسى عندك من العيال ، وبه تبلغ الكمال .
مللت كل جليس كنت آلفه
إلا الكتاب فلا يعدله إنسان
عاشرته فأراني كل مكرمة
له علي رعاه الله إحسان
والكتاب إذا خان الصديق وفى ، وإذا تكدر الزمان صفا ، ينسيك جحود الجاحد ، وحسد الحاسد ، وضغينة الحاقد ، خليل ما أملحه ، وصاحب ما أصلحه ، وصامت ما أفصحه ، يقرؤ في كل زمان ، ويطالع في كل مكان ، على اختلاف الأعصار ، وتباعد الأمصار ، بشير ونذير ، ونديم وسمير ، إذا وعظ أبكاك ، وإن حدث أشجاك، وإذا فرح أضحكك ، وإذا بشر أفرحك ، سليم من العيب ، يحمل في الجيب ، لا يشرب ولا يأكل ، ولا يغضب ولا يجهل ، إن هجرته حفظ ودك ، وإن طلبته صار عندك .
يغنيك عن الأرحام ، والأحباب والأصحاب ، فخير جليس في الأنام كتاب .
يقودك إلى الكرامة ، ويبعدك من الندامة ، ويطرد عنك السآمة ، هو نسب ما أشرفه ، وهو بوابة المعرفة ، وخلاصة الفلسفة ، يصلك بأساطين التفسير ، من كل عالم نحرير ، وإمام شهير ، ومحقق بصير ، ويحضر لك المحدثين ، أهل الرواية الصادقين ، والدراية العارفين ، وجهابذة النقل الواعين .
Página 40