113

Maqamat

مقامات القرني

Géneros

للتوبة أسرار ، ولأصحابها أخبار ، فالتائب يزول عنه تصيد المعائب ، وطلب المثالب ، لأنه ذاق مرارة ما تقدم ، فهو دائما يتندم ، وهو يفتح باب المعاذير ، لمن وقع في المحاذير ، ولا يفعل فعل المعجب المنان ، الذي قال : والله لا يغفر الله لفلان ، بل يستغفر لمن أساء من العباد ، ويطلب الهداية لأهل الفساد ، والتائب يطالع حكمة الرب ، في تقدير الذنب ، وأنه لا حول للعبد ولا قوة ، في منع نفسه من الوقوع في تلك الهوة ، فالله غالب على أمره ، بعزته وقهره ، والتائب ذهبت عن نفسه صولة الطاعات ، والدعاوى الطويلات ، والتبجح على أهل المعاصي ، وأصبح ذليلا لمن أخذ بالنواصي ، فإن بعض الناس إذا لم يقع في زلة ، ولم يذق طعم الذلة ، جمحت به نفسه الأمارة ، حتى جاوز أطواره ، فكلما ذكر له عاص تأفف ، وكلما سمع بمذنب تأسف ، وكأنه عبد معصوم ، في حياته غير ملوم ، يحاسب الناس على زلاتهم ، ويأخذ بعثراتهم ، فإذا أراد الله تقويمه ، ليسلك الطريق المستقيمة ، ابتلاه بذنب لينكسر لربه ، وأراه ضعف قوته فيعترف بذنبه، فيصبح يدعو للمذنبين ، ويحب التائبين ، ويبغض المتكبرين .

ومنها أن كأس الندم يتجرعه جرعة جرعه ، مع انحدار دموع الأسف دمعة دمعه، حينها ينال الولاية ، ويدرك الرعاية ، لأنه عرف سر العبودية ، ودخل باب الشريعة المحمدية ، فإن ذل العبد مقصود ، وتواضعه محمود ، لصاحب الكبرياء المعبود .

ومنها أنه يشتغل بالاستغفار ، عن الاستكبار ، فهو دائم الفكر في تقصيره ، مشتغلا به عن غروره ، لأن بعض الناس لا يرى إلا إحسانه ، ولا يشاهد إلا صلاحه وإيمانه ، حتى كأنه يمن على مولاه ، بطاعته وتقواه ، بخلاف من طار من خوف العاقبة لبه ، وتشعب بالندم قلبه ، فهو كثير الحسرات ، على ما مضى وفات ، وهذا هو حال من عرف العبادة ، وسلك طريق السعادة .

Página 13