فما زالَ يدرأ عنِّي الهُموم ... ويُزعجُ في البِيْدِ عينًا فعينا
فكانَ المتينَ وكانَ الوتينَ ... وكان الظَّعين وكانَ الطَّعينَا
فَلَمَ نَزَلُ نلاعبُ كواعبَ التهجيرِ، ونجانبُ مشاجرةَ الشَّجيرِ، ونُبارز قَنابلَ الإسراع، ونُعانقُ عواتقَ الإيضاع، حتى ولجناها بعد مفارقةِ الأنيس، بُكرةَ يوم الخميس، والبلدُ زاهٍ بزهوه الأريج، والزَّبَدُ طام بتلاطُم الخليج، والقَصْفُ يرفلُ بالرِّفلِ النبيلِ، والروضُ يُثنى على انثيالِ تنويلِ النَّيلِ، والجوُّ يبرئُ حرارةَ الغليلِ، برسيم نسيمهِ الصحيح العَليلِ، والنورُ في ذلك الإبّان، قَدْ توَّجَ جباهَ الكُثُبانِ، وجنَاحا المَرَح مسبلانِ، ومَها الأرائك تُغانِجُ جاذرَ الغِزلانِ: الكامل:
فكأنَّني لمّا ولجْتُ ربوعَها ... ساع على زهْرِ الجِنانِ الأزهَرِ
فكأنَّها في القَدْرِ دُرةُ غائص ... وكأنَّها في الرِّيح ريحُ العبْهَرِ
وكأنَّها في الحُسنِ شَمسُ ظهيرةٍ ... تُجلا على بدرِ السماءِ الأنورِ
وكأنّما الماءُ القَراحُ بنيلِها ... شُهْدٌ تدفَّقُ من عبابِ الكوثر
وكأنما الرَّند المضوَّعُ في الرُّبَى ... مسْكٌ تضعَ في لطيمةِ عنْبرِ
تالله ما تركَ الزمانُ لغيرها ... حظًّا من الفخرِ الرفيع الأوقر
كلاّ ولا باع المَسودُ مِراحَها ... إلا وباكرَهُ المسوِّدُ يشتَرى
كلاَّ ولاَ نَشرً الأنامُ مُديحَها ... إلا تأرَّج في بروج المشترِي
فعلامَ يهجُرها الجَهولُ وينبثَني ... عن عَرْفِ ريَّاها الذكي الأذْفرِ
قال: فلمّا قبّلنا حلائلَ ذلكَ الإحبال، وأقبَلْنا على قبْلَةِ ذيّالكَ الإقبال، جعلنا نختلسُ بِها بهاءَ الجَذَل، ونلتمسُ لَها لُهَى لُجَينِ الجَدَلِ، ونَرْتعُ في ربيع ذلك الخَول، آمنينَ مِنْ عَوَر المعاندةِ والحَوَل، إلى أن حَظِينا بالسعودِ السوافرِ، وحَمدْنا حلاوةَ بحر التبحُّر المديدِ الوافر، وحين حللْنَا حمائلَ المحادثاتِ، وارتحلْنا جمائل جَدِّ المنافثاتِ، سَنَحَ لنا حاجةٌ إلى دار الوزارةِ، تشتملُ على إجارة التجارة، فل حضرتُ إيوانها، وشكرتُ أعوانَها، وخبرْتُ بُرَّها وزوانَها ألفيتُ صاحبَ دَسْتها، وقاسم دَرْبَسْتها، العَضبَ العبقريَّ، أبا نصر المصريّ، فشددْتُ إلي شدَّ مَنْ شَيّدَ قدَرهُ وعلاَّهُ، وظَفِرَ بفَوْزِ مُسْبلهِ ومُعَلاَّه، فأظهرَ كمينَ شِقْشَقَته، وأقعدَني على نُمرِقتهِ لِمقَتِهِ، وأقبلَ يسألني عن استصعابِ الطَريقِ، واستصحاب ذلك الصديقِ، فصدقتُ في أسِّ تلك الأبنيةِ، وأصدقْتُ عروسَ مناسمتهِ كَثْرَةَ نِثَارِ الأثنيةِ، ثم إنّي قلتُ لَهُ: في طَيِّ تيك المحالفةِ، على مَهْيَع المُلاطفَة، جَلَّ مَنِ احتنك، إلى الحَيل مركبكَ، وعلى كاهلِ الكَهانةِ أركبَكَ، وفي أيِّ صُورة ما شاءَ ركَّبَكَ، فضَحِكَ حتَّى فرَّ فاه، ثُمَّ مالَ إلى قَدِّ قَميص وقَاره فرفَاه، قالَ القاسمُ بنُ جريالٍ: فبينما نحنُ نرتجلُ مُلَحُ الغرائب، ونرتحلُ مخافَةَ العائبِ، عَنْ عَطَنِ المعائب، إذ تُقُدِّمَ إليهِ بإصدارِ مكاتبةٍ إلى بعض الأمصار، ثابتةِ الإصارِ على زعزع التنازع والإعصار، تعجز ألسن القبائل، تتضَمن المعَاتبة لقطع مواصلةِ الرسائلِ، فلمّا استنشقَ نسيمَ قولهِ وقابلَ بالطاعةِ مراسيمَ قيلهِ، شَبَّ شُبوبَ الضِّرام، وهبَّ هبوبَ الأسدِ الضرغامِ، بعدَ أن شكرَ طَوْلَهُ وِزادَهُ، وأنشأَ ما أرادَهُ وزادَهُ، ثُمَّ أرسلَها إلى مخدومِه، ليقفَ على بدائع مختومِه، فكانتْ: عندي أطالَ اللهُ ارتقاءَ الجنابِ العالي المولوي الملكيّ العالمي العادلي.
الأوحديّ العَضُديّ المجاهديّ الأطوليّ المتطولي المفضّلي الأفضليّ.
ذي المناقب الجائلة والمواهبِ الهائلةِ والمِنن السامية والهمم الهامية.
1 / 42