وبشكل عام فإن الإمام زيدا (ع) لم يترك منبرا يستطيع أن يعلن عليه مكانة أهل البيت (ع) إلا واعتلاه معلنا مكانتهم وفضلهم ، فكان بالأولى منابر الخطابة ، وهذا ما كان يفعله (ع) ولا شك ، كيف لا وهو يقول في إحدى خطبه (ع) :
(( الحمدلله الذي من علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين من عترته وأسرته والمنتخبين من أهل بيته وأهل ولاتيه )) .
ولكن الإمام مع شدة تعظيمه لأهل البيت (ع) لم ينس أن يذكر أن مكانتهم العظيمة لا تبرر عمل الأفراد المنحرفين منهم ، بل من ظهر عيبه أخذ به وعوقب عليه ، ولكن هذا ليس مسوغا للزهد فيما عندهم ، يقول الإمام (ع) في كتاب الصفوة مجيبا على تساؤل :
(( فإن قلت: إن من آل محمد من ينبغي للناس أن يتفرقوا عنه، فإن فيهم بعض ما يكره لهم.
فلعمري إن فيهم لما في الناس من الفضل والذنوب، ولكن ليس ذلك في جل القوم إنما هو في خواصهم، فمن ظهر عليه عيبه عوقب به من أتاه، وإن ستر عليه عيبه فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له، ما لم يدع الناس إلى ضلالة ولم يضل بهم عن حق، ولم يتأول شيئا يعلمه في الإسلام بدعة أو سنة باطل يتبعه الناس عليها، ومن اتبعه عليها ضل هو ومن اتبعه كبقية من عمل بذلك فضل وأضل.
قال الله تبارك وتعالى: ?ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون?[النحل: 25] .
وإني إنما قلت لك هذا كي لا تزهد في حق آل محمد صلى الله عليه وسلم إن ترى في بعضهم عيوبا، ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) .
Página 8