ترجمة / الإمام زيد بن علي عليه السلام
نسبه الشريف :
الإمام زيد الشهيد بن علي زين العابدين لن الحسين السبط بن علي أمير المؤمنين بن أبي طالب ناصر رسول رب العالمين عليه وعلى آبائه السلام .
الإخبار بمقتله وصلبه قبل مولده :
[ على لسان جده رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ]
وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وآلله وسلم نظر يوما إلى زيد بن حارثة فبكى وقال: « المقتول في الله المصلوب من أمتي المظلوم من أهل بيتي سمي هذا » وأشار إلى زيد بن حارثة، ثم قال: « أدن مني يا زيد زادك اسمك عندي حبا فإنك سمي الحبيب من ولدي (زيد) » .
وروي عن أبي جعفر محمد بن علي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال للحسين: « يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد، يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين، يدخلون الجنة أجمعين بغير حساب » .
[ على لسان أبيه زين العابدين بن الحسين السبط عليهما السلام ]
دخل أبو حمزة الثمالي ذات يوم على زين العابدين فقال له زين العابدين: يا أبا حمزة ألا أخبرك عن رؤيا رأيتها؟ قال: بلى يا ابن رسول الله. قال: رأيت كأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدخلني جنة وزوجني بحورية لم أر أحسن منها، ثم قال لي: « يا علي بن الحسين، سم المولود زيدا، فيهنيك زيد » .
عندما بشر بولادة ابن له من الجارية السندية ( جيدا ) :
وحين قرعت البشرى سمع زين العابدين بولادة ابن له من الجارية السندية قام فصلى ركعتين شكرا لله، ثم أخذ المصحف مستفتحا لاختيار اسم مولوده، فخرج في أول السطر قول الله تعالى: ? وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ?[النساء:95]، فأطبق المصحف، ثم قام وصلى ركعات، ثم فتح المصحف، فخرج في أول السطر: ? ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ? [آل عمران: 169]، ثم قام وركع، ثم أخذ المصحف وفتحه فخرج في أول سطر: ? إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ? [التوبة:111].
وبعد ذلك أطبق زين العابدين المصحف وضرب بإحدى يديه على الأخرى، وقال: « إنا لله وإنا إليه راجعون، عزيت في هذا المولود، إنه (زيد) ..أما والله ما أجد من ولد الحسين في يوم القيامة أعظم منه وسيلة، ولا أصحابا آثر عند الله من أصحابه » .
وقام عليه السلام بالتأذين في أذنه اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى ، وعوذه بالله من الشيطان الرجيم .
قال أبو حمزة: فحججت عاما آخر فأتيت علي بن الحسين فلما دخلت عليه وجدته حاملا لطفل صغير وهو يقول: يا أبا حمزة ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا!! .
[ علم ومنزلة الإمام زيد بن علي عليه السلام ]
نشأ الإمام زيد بن علي في أحضان والد زين العابدينم وأخيه الأكبر محمد الباقر ودرس على يديهما العقيدة المحمدية ، فكان الإمام زيد مضرب المثل في العلم بشهادة أخيه الأكبر محمد الباقر عليه السلام فقد ذكر الرواة أنه طلب من أخيه محمد الباقر كتابا كان لجده علي عليه السلام ، فنسي أبو جعفر مدة من الزمن، ثم تذكر فأخرجه إليه، فقال له زيد: قد وجدت ما أردت منه في القرآن !! فأراد أبو جعفر أن يختبره وقال له: فأسألك؟ قال زيد: نعم، سلني عما أحببت. ففتح أبو جعفر الكتاب وجعل يسأل، وزيد يجيب كما في الكتاب. فقال أبو جعفر: « بأبي أنت وأمي يا أخي أنت والله نسيج وحدك، بركة الله على أم ولدتك، لقد أنجبت حين أتت بك شبيه آبائك » .
- قال الإمام زيد: « والله لاتأتونني بحديث تصدقون فيه إلا أتيتكم به من كتاب الله » .
- قال الإمام زيد : « من جاءك عني بأمر أنكره قلبك، وكان مباينا لما عهدته مني، ولم تفقهه عني، ولم تره في كتاب الله عز وجل جائزا، فأنا منه برئ، وإن رأيت ذلك في كتاب الله عز وجل جائزا، وللحق مماثلا، وعهدت مثله ونظيره مني، ورأيته أشبه بما عهدته عني، وكان أولى بي في التحقيق، فأقبله فأن الحق من أهله ابتدأ وإلى أهله يرجع » .
- شهادة أخيه الأكبر ومعلمه الفذ الإمام محمد الباقر عليه السلام، الذي قال في حقه: « لقد أوتي زيد علما لدنيا فاسألوه فإنه يعلم مالانعلم » .
- وقال الإمام الباقر عليه السلام لمن سأله عنه: « سألتني عن رجل ملىء إيمانا وعلما من أطراف شعره إلى قدميه، وهو سيد أهل بيته » .
- وشهادة ابن أخيه ورفيق نشأته ودراسته الإمام جعفر الصادق عليه السلام وذلك حيث يقول: « كان والله أقرأنا لكتاب الله وأفقهنا لدين الله » .
- وشهادة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت كبير أئمة المذاهب السنية، حيث يقول: « ما رأيت في زمنه أفقه منه ولاأعلم ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا، لقدكان منقطع القرين » .
- وشهادة المحدث الكبير سليمان بن مهران الأعمش حيث يقول: « مارأيت فيهم يعني أهل البيت أفضل منه ولا أفصح ولا أعلم » .
[ عبادة الإمام زيد بن علي عليه السلام ]
- وقال أبو الجارود: دخلت المدينة وكلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذلك حليف القرآن .
- قال الإمام يحيى بن زيد عليه السلام واصفا عبادة والده : « رحم الله أبي كان أحد المتعبدين، قائم ليله صائم نهاره، كان يصلي في نهاره ما شاء الله فإذا جن الليل عليه نام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء الله، ثم يقوم قائما على قدميه يدعو الله تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر سجد سجدة، ثم يصلي الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار، ثم يذهب لقضاء حوائجه، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاه واشتغل بالتسبيح والتحميد للرب المجيد، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس، ثم يصلي العصر، ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة، فإذا غربت الشمس صلى المغرب والعشاء » .
[ زهد وورع الإمام زيد بن علي عليه السلام ]
- قال الإمام زيد عليه السلام : « اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا، وبغضا لها ولأهلها، فإن خيرها زهيد، وشرها عتيد، وجمعها ينفد، وصفوها يرنق ، وجديدها يخلق، وخيرها ينكد، ومافات منها حسرة، وما أصيب منها فتنة، إلا من نالته منك عصمة، أسألك اللهم العصمة منها، ولاتجعلنا ممن رضي بها، واطمأن إليها، فإنها من أمنها خانته، ومن اطمأن إليها فجعته، فلم يقم في الذي كان فيه منها، ولم يظعن به عنها » .
- قال الإمام زيد عليه السلام: « والله ماكذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرما منذ عرفت أن الله يعاقب عليه »
- قال الإمام زيد بن علي عليه السلام : « أوصيكم أن تتخذوا كتاب الله قائدا وإماما، وأن تكونوا له تبعا فيما أحببتم وكرهتم، وأن تتهموا أنفسكم ورأيكم في مالايوافق القرآن، فإن القرآن شفاء لمن استشفى به، ونور لمن اهتدى به، ونجاة لمن تبعه، من عمل به رشد، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن خالفه كفر، فيه نبأ من قبلكم، وخبر معادكم، وإليه منتهى أمركم » .
- قال الإمام زيد لأصحابه : « أيها الناس، أفضل العبادة الورع، وأكرم الزاد التقوى، فتورعوا في دنياكم، وتزودوا لآخرتكم » .
[ دعوة الإمام زيد بن علي الناس لإمامته والخروج معه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ]
- قال الإمام زيد في رسالته التي وجهها إلى علماء الأمة : « فوالذي بإذنه دعوتكم، وبأمره نصحت لكم، ما ألتمس أثرة على مؤمن، ولا ظلما لمعاهد، ولوددت أني قد حميتكم مراتع الهلكة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوقد نارا فأقذف بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظا ونصيبا » .
- ومن أقواله المشهورة: « والله لو علمت أن رضاء الله عز وجل في أن أقدح نارا بيدي حتى إذا اضطرمت رميت بنفسي فيها لفعلت؟ » .
- قال الإمام زيد في رسالته إلى علماء الأمة :« أنما تصلح الأمور على أيدي العلماء، وتفسد بهم إذا باعوا أمر الله تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين » .
- وأيضا مما قاله الإمام زيد بن علي عليه السلام مخاطبا علماء الأمة : « أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم.
فيا علماء السوء، محوتم كتاب الله محوا، وضربتم وجه الدين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت رؤوسهم فوق الأسنة، وصفدوا في الحديد، وخلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد » .
وأيضا مما قاله الإمام زيد بن علي عليه السلام مخاطبا علماء الأمة يحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : « قد ميزكم الله تعالى حق تمييز، ووسمكم سمة لاتخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ?والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم?، فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده ... واعلموا أن فريضة الله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هينها وشديدها » .
- ومما رواه الإمام زيد عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :« إن أفضل الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره بتقوى الله ونهاه عن معصية الله، وجاهده مقبلا غير مدبر، فقتل وهو كذلك » .
[ تجاوب كبراء الأمة مع دعوة الإمام زيد بن علي عليه السلام ]
- بعث الإمام زيد الفضل بن الزبير وأبا الجارود إلى أبي حنيفة النعمان، فوصلا إليه وهو مريض، فدعياه إلى نصرته، فقال: « هو والله صاحب حق، وهو أعلم من نعرف في هذا الزمان، فاقرئاه مني السلام وأخبراه أن مرضا يمنعني من الخروج معه » . ثم أرسل معهما بثلاثين ألف درهم للإمام زيد يستعين بها على جهاده، وقال: « لئن شفيت لأخرجن معه » . وقال أيضا: « إن خروجه ضاها خروج رسول الله يوم بدر » .
- وبعث الإمام زيد عليه السلام الحافظ الكبير والمحدث الشهير منصور بن المعتمر السلمي إلى العلماء، فكان يدخل عليهم وهو يعصر عينيه ويبكي ويقول: « أجيبوا ابن رسول الله » .
- وبعث الإمام زيد عليه السلام إلى الأعمش ومن يتردد عليه من العلماء عثمان بن عمير الفقيه، فلما وصل إليه وعرض عليه رسالة الإمام زيد قال: « ما أعرفني بفضله أقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك الأعمش: لست أثق لك جعلت فداك بالناس، ولو أنا وجدنا لك ثلاثمائة رجل نثق بهم لعفرنا لك حواجبنا » .
وقال شعبة: سمعت الأعمش يقول: « والله لولا ضرة بي لخرجت معه، والله ليسلمنه كما فعلوا بجده وعمه » .
- وكذلك خرج الإمام محمد النفس الزكية بن عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن مع عمه زيد بن علي عليه السلام .
- وأما ابن أخيه الإمام جعفر الصادق، فقد أراد الخروج معه لما خرج المرة الأخيرة من المدينة إلى الكوفة، وقال له: « أنا معك يا عم » . فقال له الإمام زيد: « أما علمت يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا، وأن قاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا؟ ». فتخلف جعفر بأمر عمه زيد، ودفع بولديه عبد الله ومحمد معه . وقال: « من قتل مع عمي زيد كمن قتل مع الحسين، ومن قتل مع الحسين كمن قتل مع علي بن أبي طالب، ومن قتل مع علي كمن قتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم » .
[ عدة المبايعين للإمام زيد ، ومروق الرافضة من بيعته ]
- قال سليمان الرازي: « لم أر يوما كان أبهى ولا أكثر جموعا ولا أوفر سلاحا ولا أشد رجالا ولا أكثر قرآنا وفقها من أصحاب زيد بن علي » .
- قيل أنه اجتمع عنده عليه السلام في ديوان المبايعين خمسة عشر ألفا من المقاتلين .
- خرج نفر من الشيعة ممن كان قد بايع الإمام زيد ، بعد أن سمعوا بطلب الخليفة الأموي هشام للمبايعين للإمام زيد ، فخافوى لظى القنا وحر السيوف ، فأرادو التخلص من البيعة والخروج منها ، فالتمسوا المخارج والأعذار فقالوا بالوصية فيما بين الأئمة ، فقالوا له:يا زيد لست الإمام، قال ويلكم فمن الإمام؟ قالوا: ابن أخيك جعفر بن محمد، قال : إن قال هو الإمام فهو صادق. قالوا: الطريق خائف ولا نتوصل إليه إلا بأربعين دينارا. قال: هذه أربعون دينارا. قالوا: إنه لا يظهر ذلك تقية منك وخوفا. قال: ويلكم إمام تأخذه في الله لومة لائم إذهبوا فأنتم الرافضة . ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي، على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه.
[ تجيش الجيوش وتكتيب الكتائب وتجهيز العدة للمواجهة ]
- وحين خفقت رايات الجهاد على رأس الإمام زيد عليه السلام قال: « الحمدلله الذي أكمل لي ديني، فوالله مايسرني أني لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنههم عن منكر » .
- ثم قال الإمام زيد لن علي لأصحابه : « والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله وسنة نبيه أن تأجج لي نار ثم قذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله، والله لاينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.. يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجة الله عليكم هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله، ونقسم بينكم فيئكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم عن كل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني، والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ولا انتهكت محرما منذ أن عرفت أن الله يؤاخذني به » . ثم قال: « اللهم لك خرجت، وإياك أردت، ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان » .
[ المواجهة الكبرى ونكث أهل الكوفة لبيعة الإمام زيد ]
- بعث يوسف بن عمر القائد الأموي بعض رجاله إلى شوارع الكوفة لإثارة الرعب في قلوب الأهالي، ودعوة الناس إلى الاجتماع في المسجد الأعظم، وحظر التجول وحمل السلاح، وبث الإشاعات عن الجيش القادم من الشام.
ولكن الإمام زيد توجه مع أنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وطمأنة أهل الكوفة، وفي طريقه إلى المسجد وقعت بينه وبين جند الأمويين مواجهة عنيفة كان النصر فيها حليفه، ولما وصل إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره ( يا منصور أمت ) وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، وكان نصر بن خزيمة رحمه الله ينادي: « يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها » ، ولكنهم حنوا إلى طبعهم القديم (الغدر والخيانة)، واعتذروا بالحصار الموهوم.
وانتشر أصحاب الإمام زيد في الكوفة وأمرهم الإمام زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن. وأخذ يطارد بقايا جند الأمويين في محاولة لتطهير الكوفة منهم، وفجأة ظهر جنود الأمويين القادمون من الحيرة؛ فاشتبك أصحاب الإمام معهم واستبسلوا وقاتلوا قتالا شديدا حتى ردوهم على أعقابهم ، ثم جمع الإمام زيد أصحابه ونادى فيهم: « انصروني على أهل الشام فوالله لاينصرني رجل عليهم إلا أخذت بيده حتى ادخله الجنة، ثم قال: والله لو علمت عملا هو أرضى لله من قتال أهل الشام لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبرا ولاتجهزوا على جريح ولاتفتحوا بابا مغلقا، وإني سمعتهم يسبون علي بن أبي طالب فاقتلوهم من كل وجه » .
واستمرت المواجهة بين المعسكرين، وكان جنود الأمويين يتزايدون بينما كان جند الإمام زيد ينقصون، والتفت الإمام زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني الله فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!!
استبسل الإمام زيد وأصحابه وقاتلوا قتال المستميت فلم يجرؤ أحد على مواجهتهم أو مبارزتهم، وحين شعر الأمويون أنه لاقدرة لهم على المواجهة تحصنوا خلف الكثب والجدران، وأخذوا يمطرون الإمام زيد وأصحابه بوابل من السهام .
وأخذت الشمس في الأفق تميل نحو الغروب، وأخذت تميل معها شمس التضحية والفداء، وألقى الليل بظلامه على التلال، ونشر أجنحته على السهول والجبال، وخرست الألسن ونطقت الأسنة وحمحم الموت، وباتت الكوفة كئيبة حزينة حين لطخها أهلها من جديد بعار الخيانة والغدر.
وأثناء ذلك الصمت الرهيب سمع في مقدمة الجيش صوت الإمام زيد يرتفع قائلا: الشهادة.. الشهادة.. الحمدلله الذي رزقنيها! فهرعوا إلى مكان الصوت، فإذا بالإمام العظيم مضرجا بدمه، قد أصيب بسهم في جبهته، ولما أحس بلذع السهم القاسي ارتفع صوته بتلك الكلمات الخالدة التي ترسم لنا بوضوح أهداف وآمال ذلك الرجل العظيم.
[ وصية الإمام زيد بن علي والسهم في جبينه إلى ابنه الإمام يحيى بن زيد ]
جاء يحيى بن زيد إلى أبيه وهو يبكي وأكب عليه والدماء تنزل منه، والسهم نابت في جبينه، فجمع يحيى قميصه في يده ومسح به الدم من وجه أبيه، ثم قال له: ابشر يا ابن رسول الله، ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون.
قال الإمام: صدقت يابني، فأي شيء تريد أن تصنع؟
قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر.
قال: نعم يابني، جاهدهم، فوالله إنك لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار .
تلك هي وصية الإمام، وذلك هو ميراثه إحياء شرع الله .. التصدي للظالمين .. حب الخير للناس.. التضحية في سبيل ذلك.
ثم فاضت الروح المقدسة وودعت إلى بارئها لتتقاضى الثمن الموعود به ? إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ?
[ الجسد الشريف بعد القتل ]
- أراد أتباع الإمام زيد أن يخفوا جسده الشريف حتى لا يصل إليه الأمويون فعملوا تحت جنح الظلام وحجزوا الماء في الساقية في بستان وحفروا القبر ثم واروا الجثمان العظيم وأجروا عليه الماء، وتفرقوا قبل طلوع الفجر.
- وفي اليوم التالي أعلن في الشوارع والأسواق عن جائزة مغرية لمن يدل على المكان الذي دفن فيه، فدلهم بعض ضعفاء النفوس على موضع قبره، فنبشوه واستخرجوا منه الجثمان العظيم. فحمل الجثمان على جمل وألقي به أمام قصر الإمارة، وهنالك فصل الرأس الشريف عن الجسد.
- فأما الرأس فبعث به يوسف بن عمر الثقفي إلى الشام، وبعد أن وضع بين يدي هشام أمر أن يطاف به في البلدان، لنشر الرعب والذعر في نفوس الجماهير وقتل الحماس في النفوس الأبية، ومر الرأس ببلدان كثيرة حتى وصل إلى المدينة المنورة، وأمام قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تحد سافر ونكران لفضل الإسلام نصب الرأس الشريف، وطلب أهل المدينة للحضور إلى المسجد وإعلان البراءة من علي بن أبي طالب وزيد بن علي ، ثم أخذ إلى مصر ونصب في الجامع الأعظم أياما ومنه أخذ سرا ودفن هنالك.
- وأما الجسد فصلب في كناسة الكوفة عاريا، فجاءت العنكبوت تنسج الخيوط على عورته لتسترها، وكانوا كلما أزاحوا تلك الخيوط جاءت لتنسج غيرها.
- فكان منظر الجسد الشريف أمام الناس ، يزود الإيمان وحب أهل البيت في قلوبهم ، على عكس ما كان بنو أمية يبتغون ، فعملوا على التخلص من الجسد الشريف فعملوا على إنزاله وإحراقه ، وذر رماده في الفرات ، وقد قال يوسف بن عمر الثقفي كافاه الله مقولته الشمهورة : " والله يا أهل الكوفة لأدعنكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم " !!
لم يكفهم قتله حتى تعاقبه ****** نبش وصلب وإحراق وتغريق
الإمام زيد ثورة لاتنتهي
- كانت حركة الإمام زيد أول شرارة لانفجار شعبي أطاح بالحكم الأموي الجائر، وقضى على معالم زهوه واستبداده، وهتك أقنعة الزيف التي كان يستتر وراءها، ورغم استشهاد الإمام زيد فإن حركته لم تنته باستشهاده، ولم تمت بموته، بل تحولت كل قطرة دم إلى شعلة نار تحرق أعداء الله وتضئ على درب الرسالي، وما زالت أصداء كلماته ترن في أذن التاريخ.
- كما أن الثورات العلوية الفاطمية تتابعت إثر خروج زيد بن علي على ولاة الجور والظلم ، وأولها ثورة ابنه يحيى بن زيد عليه السلام .
تراثه الإمام زيد بن علي الفكري المجيد
1 مجموع الإمام زيد ويشتمل على المجموع الفقهي والحديثي ( مسند الإمام زيد ) .
2 تفسير غريب القرآن.
3 مناسك الحج والعمرة، طبع في بغداد.
4 مجموع رسائل وكتب الإمام زيد. ويحتوي على:
(1) رسالة الإيمان، وتشتمل على شرح لمعنى الإيمان والكلام على عصاة أهل القبلة.
(2) رسالة الصفوة، وتشتمل على تعريف صفوة الله من خلقه والكلام عن أهل البيت وأن الله اصطفاهم لهداية الناس.
(3) رسالة مدح القلة وذم الكثرة، وتشتمل على مناظرة جرت بينه وبين أهل الشام في القلة والكثرة، وجمع فيها كثيرا من آيات القرآن الدالة على مدح القلة وذم الكثرة.
(4) رسالة تثبيت الوصية، وتتضمن استدلالات على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي عليه السلام بالخلافة من بعده.
(5) رسالة تثبيت الإمامة، وتتضمن استدلالات على أن عليا عليه السلام كان أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(6) رسالة إلى علماء الأمة، وهي الرسالة التي وجهها إلى العلماء يدعوهم فيها إلى القيام بمسئولياتهم وتأييده في ثورته.
(7) رسالة الرد على المجبرة، وهي عبارة عن بضع صفحات أوضح فيها موقفه من القدر، وضمنها ردا على غلاة المجبرة.
(8) رسالة الحقوق، وهي عبارة عن نصائح وتعاليم خلقية وجهها إلى أصحابه ومن بلغته من المسلمين.
(9) مناظرة لأهل الشام في مقتل عثمان والقلة والكثرة.
(10) الرسالة المدنية، وهي عبارة عن جوابات أسئلة وردت إليه من المدينة.
(11) مجمع يشتمل على بعض مناظراته وأجوبته وخطبه وأشعاره ورسائله وكلماته القصيرة.
(12) الرسالة الشامية، وتتضمن إجابات على استفسارات لأحد أصحاب الإمام زيد بعث بها من الشام.
(13) جواب على واصل بن عطاء في الإمامة.
(14) مجموعة من الأشعار المنسوبة إليه.
(15) مجموعة من الأدعية المروية عنه.
(16) تفسير سورة الفاتحة.
(17) تأويل بعض مشكل القرآن.
(18) كتاب مناسك الحج والعمرة.
[ سنة استشهاده ]
استشهد الإمام زيد بن علي عليه السلام عام 122 ه ، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
====
المصادر : الإمام زيد بن علي شعلة في ليل الإستبداد لمحمد يحيى سالم عزان.
Página 22