وذلك أن المشف ليس ينفعل 〈من المبصرات كما ليس ينفعل〉 من الضوء فإنا نحن أيضا ليس وجودنا فى الضوء انفعالا، ولكن يشبه أن يكون ضياء للأجسام المشفة وتلونها يحدث على مثال حدوث النظر العقلى، فإن الذى ينظر معا يجد الشىء الذى يطلبه ويقربه عالما عند لقاء العقل إياه، وكذلك المشف بالقوة يضىء دفعة عند حضور النار أو ما يجرى مجراها، والمضىء أيضا والمشف بالفعل يحدث فيه عن 〈حضور الألوان من〉 الايتثار مثل ما يحدث عن | الضوء، وكذلك القمر الذى يستضىء من الشمس ليس يقال إنه ينفعل، وذلك أنه كما أن المستور من الضياء ليس ينفعل كذلك ولا المضىء ينفعل
فأما ما يظن به أنه يبقى فى أعين الناظرين بعد تمحى المبصرات فليس هو دليلا على استحالة لأن هذا ليس يعرض للعين من جهة ما هى مشفة لكن لما هى متنفسة ويمكن فيها التخيل، ولهذا السبب أمكن أن تحفظ الحركات الحادثه فى آلات الحواس من خارج إلى مدة، وذلك أن المتنفس قد يمكنه بعد مفارقة الأشياء المحسوسة أن يضع ما تخيل منها نصب عينيه، فاما المرايا والأجسام الملس والنيرة فليس تحفظ فى أنفسها شيئا مما يظهر فيها من الألوان عند تمحى الضوء والأجسام التى تفيد الضوء أو المبصرات لأنها ليست تنفعل ولا هى متنفسة
والدليل على أن البصر والحدقة لما كانت مشفة صار ما ينالها من الألوان المحركة للمشف المضىء بالفعل مثل الذى ينالها من الضوء وصار النظر يكون على استقامة من غير أن يكون شىء يخرج من العين إلى المبصرات 〈أن〉 أعين الناظرين تكل من النظر إلى الأجسام النيرة جدا كما تكل الأسماع من الأصوات العظيمة، وذلك أن رأى من يرى أن إدراك المبصر إنما يكون هو فى البعد منا فى المواضع التى نحسه 〈فيها〉 باطل، فإن الحواس الباقية وإن كانت تدرك محسوساتها بانفعال فإنها على ذلك تدركها وهى بالبعد منها
Página 157