La vista desde la roca del castillo

Shayma Taha Raydi d. 1450 AH
144

La vista desde la roca del castillo

المنظر من صخرة القلعة

Géneros

بعد الانتهاء من مهامي في الشارع الرئيسي، كنت أذهب لزيارة جدتي والخالة تشارلي، وفي بعض الأحيان - بل معظمها - كنت أفضل التمشية بمفردي، ولكنني كنت أشعر أنني لا أستطيع إهمالهما مع كل ما كانتا تبذلانه من أجل مساعدتي. ولم أكن أستطيع على أي حال أن أتجول هنا في حالة من الاستغراق الحالم مثلما كنت أفعل في المدينة حيث كنت أذهب إلى المدرسة. في تلك الأيام لم يكن أحد في البلدة يذهب للتمشية، فيما عدا بعض العجز الذين كانوا يجوبون الطريق لإبداء ملاحظاتهم على أي مشروعات بلدية وانتقادها. فقد كان مؤكدا أن الآخرين سيرونك إذا ما لوحظ وجودك في جزء من البلدة ليس لديك سبب وجيه للوجود فيه؛ فحينها كان أحدهم سيقول: «لقد رأيناك منذ أيام ...» وسيكون من المفترض بك أن تقدم تفسيرا.

ولكن البلدة كانت مغرية بالنسبة إلي، بأجوائها الشاعرية الحالمة في تلك الأيام الخريفية؛ كانت أجواء كالسحر بضوء من الوحشة ينعكس على الجدران ذات الطوب الرمادي أو الأصفر، وقد ساد سكون غريب بعد أن هاجرت الطيور إلى الجنوب وسكت صوت ماكينات الحصد المنتشرة عبر الريف. في أحد الأيام، وبينما كنت أصعد التل بشارع كريستينا في اتجاه منزل جدتي، إذا بي أسمع سطورا تتردد في رأسي من بداية إحدى القصص. «كانت الأوراق تتساقط عبر أرجاء البلدة، في صمت وخفة كانت تتساقط الأوراق الصفراء؛ إنه الخريف.»

وبالفعل كنت قد بدأت في كتابة قصة في ذلك الحين أو في وقت ما لاحقا تبدأ بتلك العبارات؛ لا أذكر عم كانت تدور. لولا أن أحدهم قد أشار إلي أنه من الطبيعي أن يكون ذلك في الخريف، وأنه من الخيال الشعري الأحمق والمتكلف أن أقول ذلك؛ فأي شيء آخر يجعل الأوراق تتساقط، ما لم تكن الأشجار في البلدة قد أصيبت بنوع من الأوبئة التي تطيح بالأوراق؟ •••

كان لدى جدتي مهرة سميت على اسمها حين كانت صغيرة، وكان ذلك على سبيل التكريم، كان اسم المهرة واسم جدتي هو سيلينا. وكان يقال عن المهرة إنها «عالية الخطوة»، فيما يعني أنها مفعمة بالحيوية والطاقة والنشاط ومحبة للتبختر على طريقتها الخاصة. إذن لا بد أن جدتي نفسها كانت عالية الخطوة. كان ثمة الكثير من الرقصات آنذاك كان من الممكن إظهار تلك النزعة فيها؛ كالرقصات التربيعية، ورقصات البولكا والشوتيش. وكانت جدتي شابة جذابة على أي حال؛ فقد كانت طويلة القامة، ناهدة، نحيلة الخصر، بساقين قويتين طويلتين وشعر أحمر داكن ذي تموجات غجرية، إلى جانب تلك البقعة الجريئة ذات اللون السماوي الموجودة في قزحية إحدى عينيها ذات اللون البندقي.

كل هذه الأشياء تجمعت، وأضيف إليها شيء ما في شخصيتها، لتصبح بلا شك الشيء الذي حاول الرجل التعليق عليه حين جاملها بتسمية مهرته على اسمها.

لم يكن هذا هو الرجل الذي كان يعتقد أنه يحبها (والذي كان يعتقد أنها تحبه)، فقط كان جارا لها يكن لها إعجابا.

لم يكن الرجل الذي أحبته هو الرجل الذي تزوجته أيضا؛ أي لم يكن جدي، وإنما كان رجلا كانت على معرفة به طوال حياتها، وفي الواقع إنني قد قابلته مرة واحدة . وربما أكثر من مرة، حين كنت طفلة، ولكن لا أذكر مقابلته سوى مرة واحدة.

كان ذلك حين كنت أقيم مع جدتي في منزلها في داوني، وكان ذلك بعد أن أصبحت أرملة، وقبل أن تصبح الخالة تشارلي أرملة هي الأخرى؛ فحين أصبحت الاثنتان أرملتين انتقلتا معا إلى البلدة التي كنا نعيش خارجها.

عادة ما نكون في الصيف حين كنت أقيم في داوني، ولكن كان ذلك في يوم شتوي كانت الثلوج الخفيفة تتساقط فيه. كنا في بداية الشتاء؛ إذ لم يكن ثمة أي ثلوج على الأرض. كنت في الخامسة أو السادسة من عمري، واضطر أبي وأمي لتركي هناك في ذلك اليوم، لعلهما كانا ذاهبين لحضور جنازة، أو كانا يصطحبان شقيقتي الصغيرة، التي كانت تعاني من الضعف ومن حالة متوسطة من مرض السكري، لزيارة طبيب بالمدينة.

سرنا عبر الطريق فيما بعد الظهيرة لندخل أراضي المنزل الذي كانت تعيش فيه هنرياتا شاربلس. كان أكبر منزل دخلته على الإطلاق، وكان ممتدا من شارع إلى آخر. كنت أتطلع لدخوله؛ إذ كان مسموحا لي بأن أنطلق وأنظر إلى أي شيء يعجبني، وكانت هنرياتا دائما ما تحتفظ بطبق ممتلئ بحلوى الطوفي الملفوفة في غلاف أحمر أو ذهبي أو بنفسجي لامع. لم تكن هنرياتا لتهتم إذا تناولتها جميعا، إلا أن جدتي كانت تراقبني وتضع لي حدا.

Página desconocida