إذا صدر إعلان استقلال رسمي، وأرسل إلى ملوك الأمم الأخرى، شارحا ما تحملناه من بؤس وشقاء، والسبل السلمية التي اتبعناها للإصلاح دون جدوى؛ ومعلنا في الوقت ذاته أننا لما أصبحنا غير قادرين بعد اليوم على العيش في سعادة أو أمن تحت رحمة البلاط البريطاني الذي لا يعرف الرحمة، فإننا مضطرون اضطرارا لقطع جميع الروابط معها؛ وفي الوقت نفسه يطمئن هذا الإعلان جميع الممالك الأخرى إلى أننا سننزع مسالمتها، وأننا راغبون في إقامة علاقات تجارية معها: فلا بد أن هذا البيان سيعود على القارة بنتائج أفضل من إرسال سفينة محملة بالتوسلات إلى بريطانيا.
تحت مسمانا الحالي بوصفنا تابعين للتاج البريطاني، لا يمكن أن يستقبلنا أو يسمعنا أحد في الخارج؛ فعادات جميع البلاطات الملكية تقف ضدنا، وسوف تظل كذلك إلى أن ننضم إلى صفوف باقي الأمم بفضل الاستقلال.
قد تبدو تلك الإجراءات غريبة وعسيرة في البداية؛ ولكنها، كباقي الخطوات الأخرى التي اتخذناها بالفعل، سوف تصبح خلال مدة وجيزة مألوفة ومقبولة؛ وما لم يعلن الاستقلال، فستظل القارة تشعر وكأنها رجل مستمر في تأجيل القيام بعمل يكرهه يوما بعد يوم، مع أنه يعلم ضرورة إنجاز هذا العمل، لكنه يكره البدء فيه، ويتمنى لو أنه انتهى، وتؤرقه دائما خواطر تخبره بحتمية القيام به.
هوامش
ملحق
منذ صدور الطبعة الأولى من هذا الكتيب، أو بالأحرى، في ذات اليوم الذي صدرت فيه، نشر على الملأ خطاب الملك في هذه المدينة. ولو كانت روح النبوة هي التي توجه هذا العمل، لما اختارت مناسبة أوفق، أو وقتا أكثر إلحاحا. فالعقلية الدموية للخطاب أظهرت بجلاء ضرورة اتباع المبدأ الذي نادى به هذا الكتاب. لقد قرأ الناس كتابي بقصد الانتقام من خطاب الملك. أما الخطاب فبدلا من أن يبث الرعب فقد مهد الطريق أمام مبادئ الاستقلال الشجاعة.
إن الاحتفاء، وحتى الصمت - أيا كان الدافع الذي ينبعان منه - يتسمان بنزعة مؤلمة عندما يمنحان أدنى قدر من التكريم لسلوك خبيث وبغيض؛ لذا إذا سلمنا بهذا المبدأ، فستكون النتيجة الطبيعية هي أن خطاب الملك - باعتباره تحفة من الخسة المطلقة - يستحق اللعن من قبل الكونجرس والشعب. غير أنه لما كان السلام المحلي للأمم يعتمد بشدة على «عفة» ما يمكننا أن نسميه على نحو مناسب «الأخلاقيات الوطنية»، فكثيرا ما يكون تجاهل بعض الأمور بازدراء صامت أفضل من اللجوء إلى الوسائل الحديثة في التعبير عن الاستهجان. وربما يعود الفضل الأكبر في تلك الرقة المتعقلة إلى أن خطاب الملك لم يتعرض قبل الآن لرفض شعبي حاسم كالذي قوبل به هذه المرة. فالخطاب - لو جاز لنا أن نسميه خطابا - ليس أكثر من افتراء باطل وقح ومتعمد على الحقيقة والخير العام والوجود الإنساني ذاته؛ وهو أسلوب فظ ومتغطرس لتقديم قرابين بشرية على مذبح كبرياء الطغاة. غير أن هذه المذبحة الجماعية للإنسانية هي إحدى امتيازات الملوك، وعاقبة وجودهم المؤكدة؛ لأنه كما أن الطبيعة «لا» تعرفهم فإنهم أيضا «لا يعرفونها»، ومع أنهم مخلوقات من جنس البشر الذي ننتمي إليه، فإنهم «لا يعرفوننا» كذلك، فقد تحولوا إلى آلهة لمن صنعهم ووضعهم على عروشهم. غير أن الخطاب به سمة جيدة واحدة وهي أنه لم يحاول خداعنا، وما كان لنا أن ننخدع به، حتى لو شئنا هذا. إن الوحشية والطغيان ظاهران فيه بلا مواربة؛ وهو لا يترك لنا مساحة للشك أو الحيرة: وكل سطر فيه يقنعنا - منذ لحظة قراءتنا له - أن الهندي العاري البدائي الذي يجوب الأحراش بحثا عن فريسة أقل وحشية من ملك بريطانيا.
في كتابه المحتال المليء بالنحيب والمسمى زورا «كلمة من شعب إنجلترا إلى سكان أمريكا»، وصف لنا مؤلفه المزعوم السير جون دالريمبل - ربما بدافع من افتراض مزهو فارغ أن الناس هنا في أمريكا سوف يفزعون من عظمة الملك ووصفه (مع أن تلك كانت حماقة شديدة من جانبه) - الشخصية الحقيقية للملك الحالي؛ إذ يقول: «ولكن إذا كنتم تميلون إلى إسباغ الثناء على إدارة ما، وهو أمر لا يثير سخطنا» (يقصد ماركيز روكينجهام فيما يتعلق بإلغاء قانون الطوابع) «فمن الظلم والجور من جانبكم أن تحجبوا هذا الثناء عن هذا الملك الذي لا يسمح لأحد بفعل أي شيء سوى بإشارة منه.» إنه الانحياز الأعمى للملك! والوثنية بلا حجاب: وأي إنسان يستطيع سماع هذا القول واستيعابه دون أن يفقد هدوءه يكون قد خسر ادعاءه العقلانية وكفر بالإنسانية؛ ويجب اعتباره ليس فقط ممن تخلوا عن كرامة الإنسان وإنما ممن نزلوا بأنفسهم إلى ما دون مرتبة الحيوانات، وزحفوا في مهانة كالديدان في هذا العالم.
غير أن ما يقوله أو يفعله ملك إنجلترا لم يعد يهمنا كثيرا الآن؛ فلقد خرق بخبثه جميع الالتزامات الأخلاقية والإنسانية، وسحق بقدميه الطبيعة والضمير معا؛ وبروح ثابتة ومتأصلة من الغطرسة والفظاظة، اكتسب لنفسه بغضا عاما. ومن مصلحة أمريكا الآن أن تعول نفسها بنفسها. إنها تمتلك بالفعل أسرة كبيرة وشابة، وصار واجبها أن تعتني بها لا أن تهب ممتلكاتها لمساندة قوة صارت سبة في جبين الإنسانية والمسيحية؛ أنتم يا من تحملكم مناصبكم مسئولية مراقبة أخلاقيات الأمة، أيا كانت طائفتكم أو المسمى الذي تحملونه، وأنتم يا من تقفون حراسا على الحريات العامة، إذا كنتم تودون الحفاظ على وطنكم الأم غير مدنس بالفساد الأوروبي، فعليكم أن تتمنوا الانفصال سرا. ولكن مع ترك الجانب الأخلاقي للتدبر الشخصي، سوف أقصر ملاحظاتي الإضافية على النقطتين التاليتين:
أولا:
Página desconocida