3266786
المبلغ المتبقي للمدافع
233214 ---
المجموع
3500000
لا يوجد بلد على سطح الأرض في وضع أفضل، أو أقدر على بناء أسطول باستخدام موارده الداخلية مثل أمريكا؛ فالقطران، والأخشاب، والحديد، والحبال جميعها منتجات طبيعية موجودة في أراضيها. لن نحتاج إلى جلب أي شيء من الخارج؛ في حين أن الهولنديين، الذين يجنون أرباحا هائلة من وراء تأجير سفنهم الحربية للإسبان والبرتغاليين، يضطرون لاستيراد معظم المواد التي يستخدمونها من الخارج. ينبغي علينا أن ننظر إلى مسألة بناء أسطول بحري باعتبارها مشروعا تجاريا، وباعتبارها الصناعة الطبيعية لهذا البلد. إنه أفضل استثمار ننفق فيه أموالنا. فقيمة الأسطول عند الانتهاء منه تساوي أكثر من تكلفة بنائه. ولعلها من النقاط الإيجابية في السياسة الوطنية أن تجتمع التجارة وحماية أراضينا معا. فدعونا نبني سفن الأسطول؛ وإذا لم نحتج إليها، يمكننا بيعها؛ وبهذه الطريقة نستبدل الذهب والفضة بعملتنا الورقية.
أما فيما يتعلق بتجهيز السفن بأطقم البحارة، فالناس عادة ما يخطئون في رأيهم بهذا الشأن؛ فليس من الضروري أن يتحول ربع تعداد الشعب إلى بحارة. إن سفينة القرصنة الرهيبة «كابتن ديث» صمدت في وجه أعنف اشتباك يمكن أن تخوضه سفينة على الإطلاق خلال الحرب الأخيرة، وكان على متنها أقل من عشرين بحارا، مع أن طاقمها الكامل يربو على مائتي فرد. إن بضعة بحارة متمكنين وهواة يستطيعون بسرعة تدريب عدد كاف من رجال القوات البرية النشطين على الأعمال التقليدية التي تؤدى على السفن. لذا فإننا لن نكون أبدا أكثر قدرة على البدء في الشئون البحرية مما نحن عليه الآن، حيث أشجار غاباتنا قائمة، ومصايد أسماكنا غير صالحة للمرور فيها، وبحارتنا ونجارو سفننا عاطلون عن العمل. لقد بنيت السفن الحربية التي تحمل سبعين وثمانين مدفعا منذ أربعين عاما مضت في نيو إنجلاند، فلماذا لا يحدث مثل هذا الآن؟ إن بناء السفن أعظم مفاخر أمريكا، وهي صناعة سوف تتفوق فيها كلما مر الزمان على العالم كله. فممالك الشرق العظمى معظم أراضيها لا تطل على بحار، ومن ثم بعيدة عن إمكانية منافسة أمريكا. وتعيش أفريقيا حياة بربرية؛ ولا توجد في أوروبا قوة تملك امتداد السواحل الذي نتمتع به ولا الموارد الداخلية التي نملكها من المواد الخام. ومع أن الطبيعة عادة تعطي نعمة وتمنع أخرى؛ فإنها في حالة أمريكا أعطت كلتا النعمتين. فإمبراطورية روسيا المترامية الأطراف تكاد تكون معزولة عن البحار: ومن هنا فإن غاباتها التي لا حدود لها، وما تملكه من قطران وحديد وحبال صارت مواد للتجارة ليس إلا.
وإذا أتينا لنقطة الأمن، فهل من الحكمة ألا يكون لدينا أسطول؟ إننا لسنا بالشعب ضئيل العدد الآن، كما كنا منذ ستين عاما مضت؛ ففي ذلك الحين كنا آمنين على ممتلكاتنا في الشوارع أو بالأحرى في الحقول، وكنا نغفو في اطمئنان دونما حاجة إلى أقفال أو مزاليج نثبتها على أبوابنا أو نوافذنا. غير أن الحال الآن تبدلت، وأساليبنا الدفاعية آن لها أن تتطور لتواكب الازدياد في حجم ممتلكاتنا. إن أي قرصان عادي، منذ اثني عشر شهرا مضت، كان في مقدوره مهاجمة ديلاوير، وإخضاع مدينة فيلادلفيا لجزية فورية، وجمع ما شاء من مال؛ والشيء ذاته كان من الممكن أن يقع في أماكن غيرها. بل إن أي شخص جريء من عينة ذلك القرصان، معه سفينة مزودة بأربعة عشر أو ستة عشر مدفعا كان يستطيع أن ينهب القارة بأكملها، ويحمل معه مالا يقدر بنصف مليون. هذه ظروف تستدعي انتباهنا وتوضح ضرورة بناء قوة حماية بحرية.
قد يقول البعض إننا بعد أن نتوصل إلى تسوية مع بريطانيا ستعمل هي على حمايتنا. فهل يمكن أن نكون من الحماقة بحيث نظن أنها ستحتفظ بأسطولها في موانينا لهذا الغرض؟ إن المنطق السليم يقول لنا إن القوة التي سعت جاهدة لإخضاعنا هي آخر ما يمكننا الاعتماد عليه في الدفاع عنا. فمن الممكن تنفيذ غزو بذريعة الصداقة بين البلدين؛ وبذلك نجد أنفسنا بعد أن قاومنا ببسالة زمنا طويلا، قد وقعنا في النهاية ضحية لخدعة حولتنا إلى رقيق مرة أخرى. ثم إذا كنا لن نسمح لسفن بريطانيا بالبقاء في موانينا، فإنني أتساءل، كيف لها إذن أن تحمينا؟ إن أسطولا يقبع على بعد ثلاثة أو أربعة آلاف ميل من سواحلنا لا يمكن أن يفيدنا كثيرا، وفي حالات الطوارئ المباغتة سيكون هذا الأسطول غير ذي نفع على الإطلاق. ومن هنا أقول إنه إذا تحتم علينا الدفاع عن أنفسنا من الآن فصاعدا، فلم لا يكون ذلك بأيدينا نحن؟
ومع أن قائمة السفن والبوارج الحربية الإنجليزية طويلة وهائلة، فإن نسبة لا تتجاوز العشر منها هي التي تكون جاهزة للخدمة والقتال في أي وقت، فهناك أعداد منها لم يعد لها وجود ومع ذلك تظل أسماؤها مدرجة بكل غطرسة في القائمة، وإن لم يتبق من السفينة غير لوح خشبي واحد، وما يصلح من تلك السفن للاستخدام ويمكن إرساله إلى منطقة واحدة في وقت معين لا يزيد على خمس ذلك العدد. إن جزر الهند الشرقية والغربية، والبحر المتوسط، وأفريقيا، وغيرها من أجزاء العالم التي تبسط بريطانيا سلطانها عليها تفرض عبئا ثقيلا على أسطولها البحري. وبدافع مزيج من التحيز والغفلة كونا فكرة زائفة فيما يتعلق بالأسطول البحري الإنجليزي، وتحدثنا كما لو كنا سنضطر إلى مواجهته كله دفعة واحدة؛ ولهذا السبب افترضنا أنه يجب علينا أن نمتلك أسطولا بنفس الحجم؛ وهو أمر لا ضرورة عملية عاجلة له، وإن كانت حفنة من مؤيدي استمرار احتلال إنجلترا لأمريكا المتخفين استغلته لإثنائنا عن البدء في بناء أسطولنا. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ إذ لو أن أمريكا لديها فقط جزء واحد من عشرين من القوة البحرية التي تمتلكها بريطانيا، لأمكنها أن تتفوق عليها بمراحل، لأننا طالما لا نملك مستعمرات بالخارج ولا نريد ذلك، فإن قوتنا بأكملها ستبقى مخصصة لحماية سواحلنا، وحينئذ، على المدى البعيد، سنكون متفوقين بنسبة اثنين إلى واحد على تلك السفن التي تبعد عنا ثلاثة أو أربعة آلاف ميل بحري عليها أن تقطعها لتصل إلينا وتهاجمنا، ثم تعود نفس المسافة للتزود بالمؤن والجند. ومع أن بريطانيا بواسطة أسطولها تسيطر على ممر تجارتنا مع أوروبا فإننا مع ذلك نملك تجارة لا تقل عن تلك حجما وهي تجارتنا مع جزر الهند الغربية، التي تقع بكاملها تحت رحمة القارة الأمريكية بحكم مجاورتها لها.
Página desconocida