إن تشكيل حكومة خاصة بنا هو حق طبيعي لنا: وعندما يتفكر أي إنسان بجدية في عدم استقرار الشئون الإنسانية، فسوف يقتنع أنه من الأكثر حكمة وأمنا بكثير أن نضع دستورا خاصا بنا بأسلوب هادئ مدروس متأن بينما نستطيع فعل ذلك، لا أن نترك حدثا بهذه الأهمية رهنا للزمن والحظ. وإذا أغفلنا هذا الآن، فقد يظهر بعد ذلك بعض الثوار المتمردين على شاكلة الإسباني ماسانيلو،
2
والذين قد يستغلون القلاقل والاضطرابات الشعبية ويجمعون القانطين والساخطين حولهم، وباغتصابهم لسلطات الحكومة، قد يجرفون الحريات التي اكتسبتها القارة كالطوفان. ولو عادت حكومة أمريكا مجددا إلى أيدي بريطانيا فإن الوضع المتداعي للأمور سيكون مغريا لأي مغامر يائس بأن يجرب حظه؛ وفي هذه الحالة، ما الإغاثة التي يمكن أن توفرها لنا بريطانيا؟ من الممكن أن تنتهي الكارثة المدمرة كلها قبل أن تسمع بريطانيا أنباء ما يحدث، ونجد أنفسنا نعاني مثل البريطانيين التعساء تحت نير قمع واضطهاد ويليام الفاتح. أنتم يا من تعارضون الاستقلال الآن، إنكم لا تعلمون ما تفعلون؛ إنكم تفتحون بابا لطغيان أبدي عن طريق إبقاء مقعد الحكومة شاغرا. وهناك الآلاف وعشرات الآلاف ممن يعتقدون أن المجد يكمن في أن نطرد من قارتنا تلك القوة البربرية الجهنمية الغاشمة التي حرضت الهنود والزنوج على تدميرنا. للوحشية ذنب مزدوج؛ أننا تعاملنا بقسوة وهم تعاملوا بغدر.
إن الحديث عن الصداقة مع أولئك الذين تمنعنا عقولنا من أن نثق بهم، وتنصحنا مشاعرنا الجريحة أن نبغضهم، هو جنون وحماقة. وكل يوم يمر يبلي البقية القليلة الباقية من الأصول المشتركة بيننا وبينهم، فهل يمكن أن يكون هناك أي سبب منطقي يدعونا لأن نأمل أنه مع انتهاء العلاقة سوف تزيد المودة، أو يزيد الانسجام بيننا، بينما ستكون لدينا هموم ومخاوف نتصارع عليها أعظم وأخطر وأكثر بعشرة أضعاف من أي وقت مضى؟
أنتم يا من تحدثوننا عن الوئام والمصالحة، هل يمكنكم أن تعيدوا لنا الوقت الذي مضى؟ هل يمكنكم أن تعيدوا للفجور براءته السابقة؟ إنكم لا تستطيعون ذلك؛ ولا تستطيعون المصالحة بين بريطانيا وأمريكا. لقد انقطع الخيط الأخير الآن، والناس في إنجلترا يوجهون خطبهم الرسمية ضدنا. هناك خطايا لا يمكن للطبيعة أن تغفرها؛ ولو أنها فعلت لما أصبحت طبيعة. وكما لا يستطيع المحب العاشق أن يغفر لمغتصب محبوبته، لا تستطيع هذه القارة أن تصفح عن جرائم القتل التي ارتكبتها بريطانيا. لقد غرس الله جل جلاله فينا تلك المشاعر غير القابلة للإخماد لأسباب وجيهة وحكيمة؛ فهي القائمة على حراسة صورته في قلوبنا، وهي التي تميزنا عن باقي الحيوانات عامة. كان العقد الاجتماعي سينحل ويتبدد، ويقتلع العدل من الأرض - أو يكون وجوده عارضا - لو أننا كنا قساة غير حساسين للمسات العواطف والوجدان. وكان السارق والقاتل سيفلتان من العقاب في غالب الأحوال لو لم تحثنا الجراح التي تسوغها طبائعنا على طلب العدالة.
أنتم يا من تحبون البشرية! أنتم يا من تجرءون ليس فقط على معارضة الطغيان وإنما على معارضة الطاغية، قفوا بقوة وحزم! لقد اجتاح الظلم كل بقعة من بقاع العالم القديم، وطوردت الحرية في جميع أرجاء الأرض؛ فطردتها آسيا وأفريقيا منذ زمن بعيد، واعتبرتها أوروبا دخيلة غريبة، وأعطتها إنجلترا إنذارا للرحيل. فاستقبلوا تلك الهاربة إذن، وأعدوا للبشرية قبل فوات الأوان ملاذا آمنا.
هوامش
الفصل الرابع
عن القدرة الحالية لأمريكا، مع بعض التأملات
المتفرقة
Página desconocida