قُلْ لشُبّان بني إسرائيل لِمَ تُشغلون نفوسكم بغيري وأنا مشتاقٌ إليكم، ما هذا الجفا لو يعلم المدبرون - عنّي كيف انتظاري لهم وشوقي إليهم لماتوا شوقًا إليّ وانقطعت، أوصالهم من مَحَبَتي، هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي في المدبرين عليّ؟، يا داود! كَذِبَ من ادَعى مَحَبَّتي فإذا جَنَهُ الليلُ نام عنِّي، كَذِبَ من ادّعى محبتي ثم خَطَرَ بباله غيري، يا آذان القلوب اسمعي أنا جليس من ذكرني:
وما كنتمُ تعرفون الجفا ... فَممَّنْ ترى قد تَعَلَّمْتُمُ
فيا أرباب القلوب أما فيكم من عَدِمَ لَذَّة قرب محبوبه، أما فيكم من أرضعوه من لبان وصالهم ثم فطموه، يا مفطومهم إبك وترامَ عليهم، يا سماء، أعين المحجوبين اسكبي، يا قمرية قلوب المهجورين ترنّمي واطربي، يا ألسنة المحبِّين عمّا يجن الجنان اعربي، يا أكباد المحزونين ذُوبي والهبي:
لقاؤك أنسق للمُحِبِّ وسلوانُ ... وذكرك لي راحٌ وريحُكَ ريحانُ
وأنت حياتي إنْ فقدتك لمحةً ... وأوّلُ مَفْقُودَيْنِ روح وجثمانُ
ومن عَجَبي أنّي للَحْظِكَ ناظرٌ ... وأنّ فؤادي من ورائك ملآنُ
جرى لكَ ذكز فاهتززتُ لطيبهِ ... وعند هبوب الريح ينعطفُ البانُ
ومن عجبي دمعي لبُعْدِكَ هَتّانُ ... وفي كَبدي جَمْرٌ يذيبُ ونيرانُ
يا مَنْ قد أضاعَ يوسفُ قَلْبَهُ جُزْ بخيام القوم لعلَّكَ تجدُ ريحَهُ، قِفْ بالسَحَر على أقدام الذُلَ لم وقل بلسان التذلُل (يا أيها العزيز مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ)، لمّا أجدبت أرضُ قلب يعقوب لفقد قطر سحاب جمال يوسف، خرج أهل كنعان يستسقون في مصلّى صحراءِ مصر مُرتدين بأردية (مَسَّنا وأهلنا الضُرُّ وَجئْنا ببضاعةٍ مُزْجاة فَأَوْفِ لنا الكيلَ وتَصَدَّقْ علينا) .
نشأت سحابُ الغيث (هل علمتم ما فعلتم بيوسف) .
غردَ قمريُّ الاعتراف (تالله لقد آثركَ اللهُ علينا وان كُنا لخاطئين) فتبسم ثغر سحاب العفو (لا تَثْرِيبَ عليكم) .
إذا ذَهَب العتابُ فليس وُدٌ ... ويبقى الودُ ما بقي العتابُ
لولا مرارة البُعد ما نال حلاوة التلاقيْ
فلولا البُعد ما حُمِدَ التداني ... ولولا البينُ ما طابَ التلاقي
لمّا توجّه الصدِّيقُ بقميصِه إلى يعقوب ﵉ القوهُ وهو يدور في البيت ويقول: (إنِّي لأَجِدُ ريحَ يُوسفَ لولا أَنْ تُفَنّدونِ) وقد اشتمَّ رائحته من مائة وأربعين فرسخًا.
نسيمٌ بدا من عطر قربك هاجني ... إليكَ فهاج القلبَ والجسمُ حاضرُ
فإنْ غَنّت الأطيارُ اطرقتُ نَحْوها ... وإن هَبَّت الأرياح فالطرفُ ناظرُ
قيل: لمّا جاء البشيرُ بالقميص ودفعه إلى يعقوب ﵇ شَمَ رائحته ووضعه على وجهه فارتدَ بصيرًا.
إذا ذُكِرَتْ ارضُ " العقيق " و" نُعمانُ " ... تَهيج بقلب المدنف الصَبِّ نيرانُ
وإن لاح برق " بالغوير " يهيجني ... إلى البان واحزني وأَنّى ليَ البانُ
احنّ إلى سكّان " لَعْلَعَ لما واللِّوى ... وهم في فؤادي والحشاشة سُكّانُ
ولي إن سرى الركبُ اليماني أنَّةٌ ... تدلُّ على أَنْ في فؤادِيَ اشجانُ
وإنْ مَرَّ بي ركبُ " العذيب " حسبتني ... كأنِّيَ من خمر الصبابة نشوانُ
أَحِنُّ إلى تلك الديار تَشَؤُقاَ ... لأنَّ بها أحباب قلبيَ قُطانُ
ومن عجبي اهوى ديار أَحِبَّتي ... وسُكانُها في ربع قلبيَ سُكّانُ
إذا هَبّ نسيمُ نجد تحرّك المشتاق بالوجدْ
إذا الريحُ من أرض الحبيب تنَسَّمَتْ ... وجدتُ لمجراها على كبدي بَرْدا
على كَبِدٍ قد كاد يحرقُها الجوى ... تذوبُ وبعضُ القوم يحسبني جَلْدا
1 / 3